للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد احتجَّ أصحابنا على هذه المسألة بقوله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] لأن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما فسَّروا ذلك بعبور الجنُب في المسجد (١). قال جماعة من أصحابنا وغيرهم (٢): يكون المراد بالصلاة مواضع الصلاة، كما قال تعالى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: ٤٠].

وقد فسَّرها آخرون (٣) بأن المسافر إذا لم يجد الماء تيمَّم، لأن الصلاة هي الأفعال أنفسها. القول على ظاهره ضعيف، لأن المسافر قد ذُكر في تمام الآية فيكون تكريرًا، ولأن المسافر لا تجوز له صلاة مع الجنابة إلا في حال عدم الماء، وليس في قوله: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} تعرض لذلك (٤)، ولأنه كما تجوز الصلاة مع الجنابة للمسافر، فكذلك للمريض، ولم يُستثنَ كما استُثني المسافر، فلو قصد ذلك لبيَّن (٥)، كما بيَّن في آخر الآية المريض والمسافر إذا لم يجدا (٦) الماء. ولأنَّ في حمل الآية على ذلك لزوم التخصيص في


(١) أخرج الأثرين الطبري في «تفسيره» (٨/ ٣٨٢ - ٣٨٤)، وابن المنذر في «لأوسط» (٢/ ١٠٦ - ١٠٧).
(٢) انظر: «المغني» (١/ ٢٠٠).
(٣) منهم: ابن عباس أيضًا وعلي وسعيد بن جبير ومجاهد. انظر: «تفسير الطبري» (٨/ ٣٧٩ - ٣٨١).
(٤) في الأصل: «فعرض كذلك»، أصلحه في المطبوع إلى «معترض» مع التنبيه، ولعل الصواب ما أثبت.
(٥) في المطبوع: «ليبين»، والمثبت من الأصل.
(٦) في المطبوع: «لم يجد»، والصواب ما أثبت من الأصل.