للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تخصيص العبور بالذكر يوجب اختصاصه بالحكم، ولأنه مستثنى من كلام في حكم النفي، كأنه قال: لا تقربوا الصلاة ولا مواضعها إلا عابري سبيل.

وإذا توضأ الجنب جاز له اللبث، لما روى أبو نعيم: ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم قال: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء. وكان الرجل يكون جنبًا، فيتوضَّأ، ثم يدخُل فيتحدَّث (١).

وقال عطاء بن يسار: رأيت رجالًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلسون في المسجد، وهم مُجنبون، إذا توضؤوا وضوءَ الصلاة. رواه سعيد (٢).

وهذا لأن الوضوء يرفع الحدثين عن أعضاء الوضوء، ويرفع حكمَ الحدث الأصغر عن سائر البدن، فيقارب من عليه الحدث الأصغر فقط. ولهذا أُمِر الجنبُ إذا أراد النوم والأكل بالوضوء، ولولا ذلك لكان مجرَّد عَبث. يبيِّن ذلك أنه قد جاء في نهي الجنب أن ينام قبلَ أن يتوضأ: أن لا يموتَ فلا تشهدَ الملائكة جنازته (٣). فهذا يدلُّ على أنه إذا توضَّأ شهدَتْ جنازتَه، ودخلَت المكان الذي هو فيه. ونُهيَ الجنبُ عن المسجد لئلا يؤذي الملائكة بالخروج، فإذا توضَّأ أمكن دخولُ الملائكة المسجدَ، فزال المحذور.

وهذا العبور إنما يجوز إذا كان لحاجة وغرض، وإن لم يكن ضروريًّا.


(١) عزاه إلى أبي نعيم من طريق حنبل بن إسحاق المجد في «المنتقى» (١/ ١٥٩)، وأخرجه بنحوه ابن أبي شيبة (١٥٦٧).
(٢) في «السنن ــ قسم التفسير» (٤/ ١٢٧٥)، ورواه أيضًا القاضي أبو إسحاق المالكي في «أحكام القرآن» (١٣٩)، من طريقين، عن هشام بن سعد، عن زيد بن اسلم، عن عطاء به. قال ابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٣١٣): «هذا إسناد صحيح على شرط مسلم».
(٣) سيأتي لفظ الحديث وتخريجه.