للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقد أمرَ بالعقاب على تركها [٢١٦/ب] وما يُعاقَب على ترك شيء إلا الواجب، لا سيما مع رأفة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ورحمته بأمته. ولأنه يفهم الأمر، ويقدر على الامتثال، فوجب عليه كالبالغ. وهذا لأنَّ عمدة الوجوب إنما هي العقل الذي به يُعلَم، والقدرة التي بها يُفعَل، وكلاهما موجود. ولأنَّ العشر مظنة الاحتلام وأول سنيه (١)، فجاز أن تقوم مقامه.

ويُحمَل حديث رفع القلم على مأثم (٢) ما يفعله من الذنوب، لا على مأثم ما يتركه من الواجب. ويؤيِّد هذا أنَّ المأمورات تصح منه، فجاز أن تجب عليه. ولهذا صحَّ منه الإسلام، وهو مُلزِم (٣) لأحكام كثيرة في الدنيا والآخرة. وأما المنهيات فإنها تقع منه باطلة إذا كانت تقبل البطلان، فلا تحرُم عليه. ولهذا لا تصحُّ تصرفاته بغير إذن من نكاح وبيع وهبة، ويقع كفره وقذفه وزناه وسرقته غيرَ موجب للحدِّ والعقوبة. ومن قال هذا صحَّح إسلامه دون رِدَّته كإحدى الروايات (٤)، وهذا لأنَّ فعلَ البِرِّ أسهل من ترك الإثم. ولهذا قال سهل بن عبد الله (٥): أعمالُ البِرِّ يفعلها البَرُّ (٦) والفاجرُ، ولا يصبر عن الآثام إلا صِدِّيق. ومن قال هذا التزم وجوبَ الصيام إذا أطاقه.


(١) في الأصل والمطبوع: «سببه»، تصحيف.
(٢) «مأثم» ساقط من الأصل هنا وفيما يأتي.
(٣) في الأصل والمطبوع: «يلزم». والمثبت من (ف).
(٤) انظر «مسائل الكوسج» (٧/ ٣٧٤٨) و «المغني» (١٢/ ٢٨١).
(٥) التُّسْتَري (ت ٢٨٣). وأخرج قوله أبو نعيم بإسناده في «الحلية» (١٠/ ١٩٧) ضمن كلام طويل، والسلمي في «طبقات الصوفية» (ص ٢٠٩).
(٦) لعل كلمة «البَرَّ» ألحقت في الحاشية، ولكن لم تظهر في الصورة، فإن علامة اللحق قبل «والفاجر» ظاهرة.