للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

موسى، وبريدة، وجابر، ووصيته لمعاذ (١) = بدأ بالفجر. وهذا متأخِّر عن حديث جبريل، وناسخ له، إذ كان بمكة؛ وفي هذا جواب عن الاحتجاج بقصة جبريل.

ولأنَّ بيان جبريل للمواقيت كان صبيحة ليلة الإسراء، وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر الناس بها حتى أصبح، وفات الفجر. فلعله أخَّر البيان إلى وقت الظهر، ليعلم المسلمون، ويأتمُّوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث كان يأتمُّ هو بجبريل.

ولأنَّ أكثر آيات القرآن بدأت بالفجر، مثل قوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} [هود: ١١٤]، وقوله: {وَسَبِّحْ (٢) بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ} [طه: ١٣٠]، وقوله: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: ٣٩].

وإنما بدأ بالظهر تارةً، كما بدأ بالمغرب (٣) في قوله تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} الآية [الروم: ١٧]. فتارةً يبدأ بأول النهار، وتارةً بأوسطه، وتارةً بأول الليل. ولأن النائم إذا استيقظ أولَ النهار كان بمنزلة الخلق الجديد، فإنَّ الانتباه حياة بعد الموت، ونشور بعد السكون، فما فعَلَه حينئذ كان أولَ أعماله. وبهذا يتبيَّن أنَّ أعمالَ النهار سابقة لأعمال الليل، وأنَّ أعمال النهار فواتيح، وأعمالَ الليل خواتيم، وإن كان الليل هو المتقدِّم على النهار خلقًا وإبداعًا.


(١) سيأتي تخريجها.
(٢) هنا وفي الآية الآتية وقع في الأصل: «فسبِّح» بالفاء.
(٣) في المطبوع: «في المغرب»، والصواب ما أثبت من الأصل.