للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما إذا قام وسجد بالأرض، فإنه يستقبل القبلةَ بقُبله حالَ القيام، والسماءَ بدُبره منفرجًا حالَ السجود، ويكشف في الجملة عورته. وهذه الأشياء محرَّمةٌ خارجَ الصلاة، فكيف تكون في الصلاة؟ ولهذا لم يُشرَع مثلُ هذه الصلاة في موضع آخر أبدًا، لاسيما إن كان العراة جماعة، أو كان العريان في فضاء من الأرض، فإنَّ كشفَ عورته يتفاقم فحشُه، والسترُ أهمُّ من تكميل الأركان، لأنه يجب في الصلاة وخارج الصلاة، وتكميلُ الأركان إنما يجب في الصلاة. وما كان مقصودًا [ص ١٠١] في نفسه ومقصودًا للصلاة، فهو أولى مما يُقصَد في الصلاة فقط، لاسيما والسترُ يعُمُّ جميعَ أركان الصلاة، والركن ينقضي في أثنائها.

يوضِّح هذا أنَّ تكميل الأركان واجب في غير هذا الموضع، وكذلك كشفُ عورته والإفضاء بها إلى أشرف الجهات محرَّم في غير هذا الموضع في غير الصلاة، وهو في الصلاة أشدُّ قبحًا وتحريمًا. فإذا كان هذا الموضع لا بدَّ فيه من التزام بدل واجب أو فعل محرَّم كان تركُ الواجب أسهل، لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطعتم. وإذا نهيتُكم عن شيء فاجتنبوه» (١). فالمنهيُّ عنه يجب تركه بكلِّ حال، والمأمورُ به إنما يجب فعله في حال دون حال. ولهذا لو لم يمكنه فعلُ فرائض الصلاة إلا بارتكاب محرَّم لم يجب فعلُها. ألا ترى أنه لو لم يمكنه ثوبٌ يلبسه سقط عنه حضورُ الجمعة والجماعة، مع أنَّ الجمعة من أوكد الواجبات، وأنَّ شهود الجمعة والجماعة أوكد من تكميل الأركان؛ بدليل أنَّ المريض الذي يمكنه إتمام الأركان في بيته، ولا يمكنه إتمامها في الجماعة، فإنَّ صلاته في الجماعة أفضل.


(١) سبق تخريجه.