للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان يعذِر في لُبسه من يعلم منه الخير وأنه كالمكره عليه. وهذا لأنه كان لباسَ الولاة والأمراء وأعوانهم، مع ما كانوا فيه من الظلم والكبرياء وإخافة الناس وترويعهم. ولم يكن يلبسه إلا أعوان السلطان. وكان الرجل المسوِّدي إذا رُئي خِيفَ ورُعِب منه، لأنه مظنة الترويع، حتَّى قال بعضُ أهل العلم يَضرِبُ المثلَ بذلك: ترى الرجل مطمئنًّا ثابتَ القلب ساكنَ الأركان، فإذا عاين صاحبَ سَوادٍ رعَب من سلطانه، ودخله من الرُّعب ما غيَّر لونَه، ورجَف قلبهُ، واسترخت قدماه، وذهب فؤاده. فلمّا كان معونةً على الظلم والشرِّ وإيذاء المسلمين صارت خياطته وبيعه بمنزلة بيع السلاح في الفتنة. وكُرِه أن يلبسه الرجلُ إذ ذاك، لأنه من تشبَّه بقوم فهو منهم؛ ولأنه يصير بذلك من أعوان الظلَمة، أو يُخاف عليه أن يدخل في أعوانهم.

وفي معنى هذا كلُّ شعار وعلامة يدخل بها المرءُ في زمرة من تُكرَه طريقتُه بحيث يبقى كالسِّيما عليه، فإنه ينبغي اجتنابها وإبعادها (١). وكلُّ لباس يغلب على الظنِّ أنه يستعان بلُبسه على معصية، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم. ولهذا كُره بيعُ الخبز واللحم لمن يعلم أنه يشرب عليه، وبيعُ الرياحين لمن يعلم أنه يستعين به على الخمر والفاحشة. وكذلك كلُّ مباح في الأصل عُلِم أنه يستعان به على معصية. وهذا يختلف باختلاف الأمكنة والأوقات والأحوال، فهذه كراهة لسبب عارض.

فأمَّا لبسُ الجند أو غيرهم له في دار الحرب أو غيرها، إذا لم يكن مظِنَّةَ


(١) الكلمة غير محررة في المتن، وعلق كاتبها في الحاشية: «لعله: وإبعادها». وكذا في المطبوع.