للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهو مع طهارته غير مطهِّر في المشهور أيضًا، لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يغتسِلْ أحدُكم في الماء الدائم وهو جنُب". قالوا: يا أبا هريرة، كيف يفعل؟ قال: يتناوله تناولًا. رواه مسلم (١). ولو كان الغسل فيه يجزئ ولا يغيِّر الماء لم ينه عنه. ولأن الصحابة ما زالوا تضيق بهم المياه في أسفارهم، فيتوضؤون ولا يجمعون مياه وضوئهم، ولو كانت مطهِّرةً لجمعوها. ولأنه مستعمل لإزالة مانع من الصلاة فانتقل حكم المنع إليه كالمستعمل في إزالة النجاسة.

وما دام الماء يجري على بدن المغتسل وعضو المتوضئ على وجه الاتصال فليس بمستعمل حتى ينفصل. فإن انتقل من عضو إلى عضو لا يتصل به مثل أن يعصِر الجنبُ شعر رأسه على لُمعة من بدنه، أو يمسح المحدث رأسه ببَلِّ يده (٢) بعد غسلها، فهو مستعمل في إحدى الروايتين، كما لو انفصل إلى غير محل التطهير مثل أن يمسح رأسه ببَلٍّ يأخذه من لحيته، أو يعصِر شعره في كفِّه ثم يردّه على اللمعة.

وفي الأخرى: ليس بمستعمل. وهو أصح لما روت الرُّبَيِّع بنت معوِّذ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه بما بقي من وضوئه في يديه. رواه أحمد [٨/ب] وأبو داود (٣).


(١) برقم (٢٨٣).
(٢) في حاشية ابن قندس على "الفروع" (١/ ٧٨ - ٧٩): "ببلل يده"، وكذا "ببللٍ يأخذه" فيما يأتي. وقد نقل كلام المصنف من قوله: "وما دام الماء" إلى آخر حديث الربيّع بنصِّه.
(٣) أحمد (٢٧٠١٦)، وأبو داود (١٣٠)، وأخرجه الدارقطني (١/ ٨٧) بنحوه مختصرًا، وهو جزء من حديث يُروى عن عبد الله بن محمد بن عقيل بطرق وألفاظ مختلفة، عن الرُّبَيّع تنعت فيه وضوءه - صلى الله عليه وسلم -.
وحسّن لفظ المؤلف ابن حجر في "الدراية" (١/ ٥٥)، وحسّن الحديث الترمذي (٣٣)، واستدركه الحاكم على الشيخين (١/ ١٥٢)، ومداره على عبد الله، وقد اختلف فيه جرحًا وتعديلًا، واختلف عليه في ألفاظه أيضًا، انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (١/ ٢٣٧)، "البدر المنير" (٢/ ١٦٨ - ١٦٩).