للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبين صاحبهما أُمِر بتطهيرهما من النجاسة. وكانت طهارة الخفَّين طهارة للقدمين. [ص ١٣٨] واستُحِبَّ تكريمُ البقاع والثياب التي عُملت فيها الصالحات، حتَّى أعدَّ سعد - رضي الله عنه - جُبَّته التي شهد فيها بدرًا كفنًا (١)، واستوهب بعضُ أزواج النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - منه بردةً لتتخذها كفنًا (٢).

وهذا كثير. فالأمرُ بتطهير عينه من الأنجاس أمرٌ بطهارة صاحبه بالضرورة.

والأشبه ــ والله أعلم ــ أنَّ الآية تعُمَّ نوعَي الطهارة، وتشمل هذا كلَّه، فيكون مأمورًا بتطهير الثياب المتضمِّنة تطهيرَ البدن والنفس من كلِّ ما يستقذر شرعًا من الأعيان والأخلاق والأعمال، لأنَّ تطهيرها أن تجعل طاهرة، ومتى اتصل بها وبصاحبها شيء من النجاسة لم تكن مطهَّرة على الإطلاق؛ فإنَّها متى أزيل عنها نجسٌ دون نجس لم تكن قد طهرت، حتَّى يُزال عنها كلُّ نجس. بل كلُّ ما أمر الله باجتنابه من الأرجاس وجب التطهيرُ منه، وهو داخل في عموم هذا الخطاب.

يبيِّن ذلك أنَّ الطهارةَ من الخمر والبول والدم ونحو ذلك هي من تتمة الطهارة من أكلها وشربها، وتكميلٌ لذلك المقصود، وتحقيقٌ للتنزُّه من الأرجاس بكلِّ طريق. وإنما حرَّم الله سبحانه مباشرة هذه الأعيان الرجسة، كما حرَّم ممازجتها بالأكل والشرب؛ لما فيها من الخبث. وحرَّم مباشرتها بالثياب قطعًا لملابستها بكلِّ طريق، ومبالغةً في اجتنابها. وعلى هذه، فالحجة من الآية اندراج هذه الطهارة في العموم، وبذلك تندفع تلك


(١) أخرجه الطبراني في «الكبير» (١/ ١٤٣)، والحاكم (٣/ ٥٦٧).
(٢) لم أقف عليه.