للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والروايتان منصوصتان عن أحمد في الجاهل بالنجاسة. فأما الناسي فليس فيه عنه نصٌّ، فلذلك اختلفت الطريقتان. فإن قلنا: يعيد مطلقًا، [ص ١٤٤] فلأنها إحدى الطهارتين، فلم يسقط بالجهل والنسيان كطهارة الحدث، ولأنه شرطٌ من شروط الصلاة، فلم يسقط بالجهل والنسيان كاللباس والقبلة.

وإن قلنا: لا يعيد، وهي اختيار طائفة من أصحابنا، وهي أظهر؛ فلما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلَّى، فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم. فلما انصرف قال: «لِمَ خلعتم؟» قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعتَ، فخلعنا. فقال: «إنَّ جبريل أتاني، فأخبرني أنَّ بهما خَبَثًا. فإذا جاء أحدُكم المسجدَ فليقلب نعليه، فلينظر فيهما. فإن رأى خبَثًا فليمسحه بالأرض، ثم ليصلِّ فيهما» رواه أحمد وأبو داود (١).

واحتجَّ به إسحاق بن راهويه، وذكر أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حين أخبره جبريل عليه السلام أنَّ في نعليه قذرًا كان راكعًا، فخلَعهما، ومضى في صلاته. ولو أبطل (٢) حملُهما بغير علم لاستأنف الصلاةَ.

ولا يصح أن يقال: لعله كان مُخاطًا أو بُصاقًا أو نحو ذلك مما لا يُبطل الصلاة، أو كان يسيرًا من دم ونحوه. فقد قيل: إنه كان دم حَلَمة، لأنَّ الخبَث اسم للغائط، وكذلك القذَر حقيقة في النجاسة.

ولأنه لو كانت الصلاة تصح معه لم يخلع نعليه في الصلاة، فإنه عبث،


(١) تقدم تخريجه.
(٢) في المطبوع: «أطيل»، وكذا في الأصل، ولكن علَّق كاتبه: «لعله: ولو أبطل. وهي كذلك بخط الناسخ، لكنها مصلحة: ولو أطيل، إمَّا من الناسخ أو غيره».