للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوجه الثاني: أنَّ علَّة الحديث إذا كانت من جهة الخوف من سوء حفظ الراوي، فإذا كان قد روي من وجهين مختلفين عن رجلين عدلين أدَّى كلٌّ منهما مثلَ ما أدَّى الآخر، كان ذلك دليلًا على أنَّ كلًّا منهما حفِظ ما حدَّثه، ولم يخُنْه [ص ١٤٩] حفظُه في هذا الموضوع. ولهذا لما خشي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن لا يكون ذو اليدين ضبَطَ ما قاله استشهد بغيره من الحاضرين (١). وكذلك أبو بكر الصدِّيق - رضي الله عنه - في طلبه شاهدًا آخر مع محمد بن مسلمة على ميراث الجدَّة حتى شهد المغيرة بن شعبة (٢).

وعمرُ - رضي الله عنه - في طلبه شاهدًا مع أبي موسى على حديث الاستئذان (٣). لم يكن ذلك خشية أن يكون المحدِّث كذَبَ، فإنَّ مقادير هؤلاء عندهم كانت أجلَّ من أن يتوهَّم فيهم الكذب. وإنما هو خشية النسيان وعدم الضبط، فإذا اعتضدت رواية برواية أخرى دلَّ ذلك على الحفظ والضبط.

وقد قال سبحانه لما أمر باستشهاد امرأتين {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} [البقرة: ٢٨٢]، وأخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ نقصَ عقلهن أوجبَ أن


(١) أخرجه البخاري (٤٨٢) ومسلم (٥٧٣).
(٢) أخرجه أحمد (١٧٩٧٨)، وأبو داود (٢٨٩٤)، والترمذي (٢١٠١)، وابن ماجه (٢٧٢٤)، من طرق عن قبيصة بن ذؤيب، عن أبي بكر به.

قال الترمذي: «حديث حسن صحيح»، وصححه ابن حبان (٦٠٣١)، والحاكم (٤/ ٣٧٦)، وقال ابن حجر في «التلخيص» (٣/ ٨٢): «إسناده صحيح لثقة رجاله، إلا أن صورته مرسل، فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصديق، ولا يمكن شهوده القصة»، وانظر: «إرواء الغليل» (٦/ ١٢٥).
(٣) أخرجه البخاري (٦٢٤٥) ومسلم (٢١٥٣) من حديث أبي سعيد الخدري.