للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرواية بالتحريم مع الصحة. ولفظ أحمد فيها هو «الكراهة» (١)، وقد يريد بها تارةً التحريم، وتارةً التنزيه. ولذلك اختلفوا في كراهيته المطلقة على وجهين مشهورين.

ومن أصحابنا من يقول: الروايتان في الجاهل بالنهي، كما سيأتي. أمَّا إن علم بالنهي لم تصحَّ صلاته روايةً واحدةً. والصحيح: أنَّ في العالم بالنهي خلافًا عنه، وقد جاء ذلك صريحًا عنه.

فإن قلنا: تصح؛ فلعموم الأحاديث [ص ١٥٠] الصحيحة بأنَّ الأرض كلَّها مسجدٌ كما تقدَّم. ولو كان ذلك يختلف لَبيَّنه، لأنَّ تاخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ويُحمَل النهيُ عن هذه المواضع على الكراهة جمعًا بينهما. ولأنَّ علّةَ النهي في بعضها كونُها مظنَّة النجاسة، وفي بعضها كونها محلًّا للشياطين، وأنَّ بها ما يشغل قلبَ المصلِّي ويُخاف أن يفسد عليه صلاته. وذلك أكثر ما يوجب الكراهة. ولأنه موضع طاهر لا يحرم المقام فيه، فأشبهَ الإصطبلات.

والأول أصحُّ؛ لأنَّ قوله: «الأرض كلُّها مسجد إلا المقبرة والحمَّام» إخراجٌ لها عن أن تكون مسجدًا، والصلاة لا تصح إلا في مسجدٍ، أعني: فيما جعله الله لنا مسجدًا. وهذا خطابُ وَضْعٍ وإخبارٍ، فيه أنَّ المقبرة والحمَّام لم يُجعَلا مسجدًا ومحلًّا للسجود، كما بيَّن أنَّ محلَّ السجود هو الأرض الطيبة، فإذا لم تكن مسجدًا كان السجود واقعًا فيها في غير موضعه، فلا يكون معتدًّا به، كما لو وقع في غير وقته، أو إلى غير جهته، أو في أرض خبيثة. وهذا الكلام من أبلغ ما يدل على الاشتراط، فإنه قد يُتَوهَّم أنَّ العبادة تصحّ مع


(١) انظر: «مسائل عبد الله» (ص ٦٧) و «صالح» (١/ ٤٦٢).