للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والصحيح: أنَّ المعاطن تعُمُّ هذا كلَّه على ظاهر كلام أحمد، فإنه قال: هي الأماكن التي تقيم بها وتأوي إليها، وعلى هذا، فسواءٌ أوت بالليل أو النهار. وهذا لأنَّ لفظ المعاطن والمبارك يعمُّ هذا كلَّه كما تقدَّم، فلا وجه لإخراج شيء منه من الحديث. وهذا لأنَّ اللفظ إذا توسَّع أهلُ العُرف فيه حتى صار معناه عندهم أعمَّ من معناه في اللغة لم يخرج ذلك المعنى اللغوي عن اللفظ، بل يصير بعضه. ولأنه مكان تعتاده الإبل وتأوي إليه، فأشبه مبيتَها، وهذا لأنَّ العطن الذي يكون عند البئر أو الحوض أو النهر قد أعِدَّ لمقام الإبل وبُروكها فيها، فكان من مبركها، كما لو أُعِدَّ لمقامها فيه نهارًا دون الليل.

قال أصحابنا: ولا فرق بين أن تكون الإبل في المعاطن أو لا تكون، ولا فرق بين أن تكون قائمةً حال الصلاة أو غيرَ قائمة، لأن النهي تناول الموضع.

وقال ابن حامد والقاضي وسائر أصحابنا: فأما مكانُ نزولها في سيرها، أو مكانُ مقامها لِتتنقل عنها، أو مكانُ علفها أو ورودها لتسقى الماء= فالصلاةُ فيه جائزة، لأنه لا يسمَّى عطنًا. وقد قال الأثرم: سمعتُ أبا عبد الله يُسأل عن موضع فيه أبعار الإبل، نُصلِّي فيه؟ فرخَّصَ، ثم قال: إذا لم يكن من معاطن الإبل التي نُهِي عن الصلاة فيها، التي تأوي إليها الإبل (١).

وذلك لأنَّ هذه الاماكن ليست مُعَدَّة لمقام الإبل، وإنما مقامها فيه عارض، فلا يتناولها النهيُ لفظًا ولا معنًى. ولأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إنما كانوا يرتحلون في أسفارهم في الحجِّ والعمرة والغزو وغير ذلك على


(١) «المغني» (٢/ ٤٧٣).