للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إحداهما: أنها كصلاة النافلة على ما تقدَّم من الأحاديث، لأنَّ الفرض والنفل مستويان في جميع الشرائط والأركان إلا ما استثني من ذلك، مثلَ القيام والصلاة على الراحلة في السفر حيث توجَّهت به ونحو ذلك؛ فالتفريقُ بينهما في غير ذلك يحتاج إلى دليل. ولأنَّ الاستقبال الواجب في الفرض واجب في النفل على المقيم، ولو لم يكن المصلِّي في البيت مستقبلًا للقبلة لما صحَّ فيها النفل. ولأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: «صلِّي في الحِجْر إذا أردتِ دخولَ البيت» ولم يفرِّق. وقال للسَّادِن: «إنه لا ينبغي أن يكون في قبلة البيت شيء يُلهي المصلِّي» (١) ولم يفرِّق.

والرواية الثانية، وهي المشهور نصًّا ومذهبًا: أنَّ الفرض لا يصح في الكعبة، لأنَّ الله سبحانه قال: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤]، أي نحوَه وتلقاءَه بإجماع أهل العلم، لأنَّ «الشَّطْر» له معنيان، هذا أحدهما. والآخر بمعنى النصف، وذلك المعنى ليس مرادًا، فتعيَّن الأول. وإذا كان الله قد فرض تولية الوجه نحو الكعبة، وذلك هو الصلاة إليها، فالمصلِّي فيها ليس بمصلٍّ إليها، لأنه لا يقال لمن صلَّى في دار أو حانوت: إنه مصلٍّ اليه. وكذلك قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: إنما أُمِر الناسُ أن يصلُّوا إلى الكعبة، ولم يؤمروا أن يصلُّوا فيها (٢).

ولأنَّ التوجُّه إليها إنما يكون باستقبالها كلِّها، أي استقبالِ جميع ما


(١) سبق تخريج الحديثين.
(٢) لم أقف عليه بلفظه، وأخرجه بمعناه عبد الرزاق في «المصنف» (٥/ ٧٨ - ٧٩) من عدة أوجه.