للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحاذيه منها. فإذا استقبل بعضَها فليس بمولٍّ وجهه إلى الكعبة، بل إلى بعض ما يسمَّى كعبة.

ولأنه إذا استقبل البعضَ واستدبر البعضَ فليس وصفُه باستقبالها بأولى من وصفه باستدبارها. بل استدبارُ بعضها ينافي الاستقبال المطلق. ولهذا قال ابن عباس: لا تجعل شيئًا من البيت خلفك. ذكره أحمد (١).

يبيِّن هذا أنَّ الله سبحانه أمر بالطواف به، كما أمر بالصلاة إليه؛ وأخرجهما (٢) مخرجًا واحدًا في قوله تعالى: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: ١٢٥]، وقال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩]، كما قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤]. ثم الطواف فيه لا يجوز، فكذلك الصلاة فيه. ولمَّا وجب على الطائف أن يطوف به كلِّه وجب على المصلِّي أن يستقبله كلَّه. واستقبالُ جميعه يحصل بأن تكون القبلة كلُّها أمامه وإن خرج بعضها عن مسامتة بدنه ومحاذاته، فإنَّ المطابقة ليس من معنى الاستقبال في شيء؛ إذ لو كانت من معناه ما صحَّ أن يستقبل الجسم الكبير للصغير ولا الصغير [ص ١٨٣] للكبير. نعم، لو خرج هو على مسامتتها ببعضه لم يكن مستقبلًا لها. فعلى هذا لا يصلِّي الفرضَ في الحِجْر. نصَّ عليه، فقال: لا يصلِّي في الحِجْر، الحِجرُ من البيت (٣).


(١) أخرجه عبد الرزاق (٩٠٥٩)، والحميدي (٢/ ٣٠٥).
(٢) يعني الطواف والصلاة. وفي الأصل: «وأخرجها». وفي المطبوع: «وإخراجها». والصواب ما أثبت.
(٣) انظر: «الإنصاف» (٣/ ٣٣١).