للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسنَّ إن اجتزنا بها الإسراعَ. فروى ابن عمر أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لما مرَّ بالحِجْر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلّا أن تكونوا باكين. فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، أن يصيبكم مثلُ الذي أصابهم» ثم قنَّع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسَه، وأسرع السيرَ حتَّى أجاز الوادي. متفق عليه (١).

وقد قيل: إنه - صلى الله عليه وسلم - أسرع السيرَ بوادي محسِّر صبيحة مزدلفة، وسنَّ للحجيج الإسراع فيه؛ لأنه المكان الذي نزل على أهل الفيل فيه العذابُ، وحسَر فيلُهم فيه، أي انقطع عن الحركة إلى جهة مكة. ويقال: إنه يُخسَف بقوم فيه.

فإذا كان المكثُ في مواضع (٢) العذاب والدخول إليها لغير حاجة منهيًّا (٣) عنه، فالصلاةُ بها أولى. ولا يقال: فقد استثنى ما إذ كان الرجل باكيًا، لأنَّ هذا الاستثناء من نفس الدخول فقط. فأما المكث بها والمقام والصلاة، فلم يأذن فيه، بدليل حديث علي، ولأنَّ مواضع السخط والعذاب قد اكتسبت السخط بما نزل ساكنيها، وصارت الأرض ملعونة، كما صارت مساجدُ الأنبياء مثل مسجد إبراهيم ومحمد وسليمان صلى الله عليهم مكرَّمةً لأجل مَن عبد الله فيها، وأسَّسها على التقوى. فعلى هذا، كلُّ بقعة نزل عليها عذابٌ لا يصلَّى فيها، مثل أرض الحِجْر وأرض بابل المذكورة، ومثل مسجد الضِّرار لقوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا} [التوبة: ١٠٨].

فإن صلَّى فهل تصحُّ صلاته؟ فعلى ما ذكره طائفة من أصحابنا تصحُّ،


(١) البخاري (١٤١٩، ٤٧٠٢) ومسلم (٢٩٨٠).
(٢) في المطبوع: «مواقع»، والمثبت من الأصل.
(٣) في الأصل: «منهي»، وتصحيحه من حاشية الناسخ.