للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كما إذا كان معه ثياب طاهرة ونجسة. قال الدِّينوري: وهذا صحيح فإنه قادر على أداء فرضه بيقين، من غير ضرر يلحقه في بدنه وماله، فيلزمه ذلك؛ كما لو نسي صلاةً من يوم لا يعلم عينها. وذلك لأنه اشتبه الواجب بغيره، فوجب فعلُ ما يتيقَّن به فعلُ الواجب؛ كما لو نسي صلاةً من يوم لا يعلم عينها، وكما لو اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة، [ص ٢٠٥] أو اشتبه الموضع الطاهر من ثوبه بالنجس.

وهذا قول شاذّ مسبوق الإجماع على خلافه. والصواب: المنصوص (١)، لأن الله سبحانه قال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ١١٥]. وهذه الآية تدل على جواز استقبال جميع الجهات، نُسِخ ذلك في حقِّ العالم القادر في صلاة الفرض، فيبقى في حقِّ الجاهل بالقبلة، والعاجز عن استقبالها لخوف، ونحوه في حقِّ المتنفِّل في السفر لم يُنسَخ. وهذا لأنَّ الأصل جواز استقبال الوجه إلى جميع الجهات، لكن إذا لم يكن بدٌّ من الصلاة إلى واحدة منها عيَّن الله سبحانه لنا استقبال أحبِّ الوجوه إليه، وأوجبَ ذلك. فإذا تعذَّر ذلك بالجهل وبالعجز سقط هذا الوجوب حينئذ، لأنَّ الإيجاب حينئذ محال.

وأيضًا ما روي عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه قال: كنَّا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في السفر في ليلة مظلمة، فلم يدر أين القبلة، فصلَّى كلُّ رجل منَّا على حياله. فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فنزل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} رواه ابن ماجه والترمذي (٢) وقال: حديث


(١) في الأصل والمطبوع: «والمنصوص»، والظاهر أن الواو مقحمة.
(٢) ابن ماجه (١٠٢٠)، والترمذي (٣٤٥)، من طريق أشعث بن سعيد السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه به.
أعله الترمذي بتفرد أشعث كما ذكر الشارح، وفيه أيضًا عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف، كما في «الميزان» (٢/ ٣٥٣)، وضعفه ابن الجوزي في «التحقيق» (١/ ٣١٦)، وابن القطان في «بيان الوهم» (٣/ ٣٥٨).