للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقي في أنفسُ الناس، لأنه كان يصلِّي إلى غير الكعبة، حتَّى أنزل الله هذه الآية (١).

وهذا ــ والله أعلم ــ لأنه (٢) قد كان بلغه أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يصلِّي إلى بيت المقدس، فصلَّى إليه. ولهذا لم يصلِّ إلى المشرق الذي هو قبلة النصارى. ثم لم يبلغه خبرُ النسخ لبعد البلاد، فعُذِر بها، كما عُذِر أهل قباء وغيرهم؛ فإنَّ القبلة لما حُوِّلت لم يبلغ الخبر إلى من بمكة من المسلمين، ومن كان بأرض الحبشة من المهاجرين مثل جعفر وأصحابه، ومن كان قد أسلم ممن هو بعيد عن المدينة، إلى مدة طويلة أو قصيرة. ولم يأمر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحدًا منهم بإعادة ما صلَّاه إلى بيت المقدس قبل علمه بالناسخ. وما ذلك إلا لأنه معذور لعدم العلم، وأنه كان متمسكًا بشريعة، فما (٣) لم يبلغه نسخها لم يثبت في حقِّه حكمُ النسخ، لأنَّ الله لا يكلِّفه علم الغيب. فكذلك من اجتهد واستفرغ وسعه، أو عميت عليه الأدلَّة، لا يكلفه الله إلا وسعَه.

ولأنَّ القبلة المعيَّنة تسقط بالعجز حالَ المسايفة، وكذلك بالجهل حالَ الاشتباه، لأنَّ كلاهما (٤) معذور في ذلك. ولأنه فعَل ما أُمِر به كما أُمِر به، فلم تلزمه الإعادة، كالمصلِّي إلى القبلة، وذلك أنَّ السماء إذا أطبقت


(١) أخرجه ابن جرير (٢/ ٥٣٢) عن قتادة، والمصنف صادر عن «الكشف والبيان» للثعلبي (١/ ٢٦٣) وقد نقله عن عطاء وقتادة.
(٢) في المطبوع: «بأنه»، والمثبت من الأصل.
(٣) في المطبوع: «فلمَّا»، وما ورد في الأصل صواب. و «ما» مصدرية ظرفية.
(٤) كذا في الأصل والمطبوع. وانظر ما علقت في كتاب الطهارة.