للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهل العراق ينحرفون إلى المغرب أكثرَ من ذلك، فيكون القطب محاذيًا لظهر الأذن اليمنى؛ وكلّما أمعن في المشرق كان الانحراف أكثر.

ومن كان بحرَّان وسُمَيساط وما كان على سَمْتها بين المشرق والمغرب محاذيًا لمكة شرَّفها الله، فإنه يجعل القطبَ خلف نُقْرة القفا. ولهذا يقولون: أعدل القِبَل قبلة حرَّان (١)، لكون القطب الذي هو أثبت الدلائل وأبيَنها يُجعَل خلفَ القفا بلا انحراف، فيتيقَّن إصابة العين؛ لكون البلدة محاذيةً للركن الشامي، بعدُها عن المشرق والمغرب كبعد مكة. ولهذا يُجعَل الشام من المغرب، حتى فسَّروا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزالُ أهلُ الغرب ظاهرين» (٢) بأنهم أهل الشام (٣). ويُجعَل العراق (٤) من المشرق، لأن الأرض إذا قُسمت قسمَين: قسمًا شرقيَّ مكة وقسمًا غربي مكة، كانت الشامُ في الجانب الغربي، [ص ٢١٢] والعراقُ في الجانب الشرقي، وحرَّانُ وما كان على سَمْتها على مسامته مكة بين الجانب الشرقي والجانب الغربي.

فالمستقبِل لعين الكعبة في البلاد الشرقية والغربية لا بدَّ له من انحراف. وقد لا ينضبط ذلك غاية الضبط، [لما] (٥) في رعايته من الكلفة، ولأن قدر الانحراف قد لا يتحقَّق، وإلّا فلا بدَّ لكلِّ بلاد من قبلة معتدلة وإن شقَّ ضبطُها. وهذا القدر


(١) انظر: «منهاج السنة» (٧/ ٥٨).
(٢) أخرجه مسلم (١٩٢٥) من حديث سعد بن أبي وقاص.
(٣) انظر: «فتح الباري» (١٣/ ٢٩٥) و «جامع المسائل» (٢/ ١٠١) و «مجموع الفتاوى» (٤/ ٤٤٦).
(٤) في المطبوع: «العراقي» خطأ.
(٥) زيادة من تعليق ناسخ الأصل.