للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتقليد في الأحكام: أنَّ تقليد الأوثق في القبلة ليس فيه عسر ولا حرج، إذ الجهات بالنسبة إلى المصلِّي سواء، فيبقى تقليدُ المرجوح لا وجه له؛ بخلاف الأحكام فإنَّ إلزام العامَّة بقول واحد بعينه في جميع الأحكام، فيه عسر وحرج عظيم منفيٌّ بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨].

وقد جعل اختلاف العلماء رحمة وتوسعة على الأمة. وما زال المسلمون في كلِّ عصر ومصر يقلِّدون من العلماء من هو أعلم (١) عندهم فيه (٢). وقد كان الصحابة يعلمون فضلَ بعضهم على بعض في بعض أنواع العلم، ثم لم يقصُروا العامَّةَ على استفتاء ذلك الأفضل في ذلك النوع.

وأيضًا فإنه يجب الرجوع إلى قول أوثق الطبيبين والقائفين والمقوِّمين، فكذلك في قول أوثق المجتهدين في القبلة، لأنها أمور جزئية (٣)، ولا يشقُّ تعيين الأقوى منها، بخلاف الأحكام الشرعية فإنَّها كثيرة ومتسعة، ولربما كان المفضول في كثير من المسائل أوثق من الفاضل لاختلاف المطلوبات فيها، والمسألة محتملة.

هذا إذا اختلف مجتهدان، وعلم اختلافهما. فأمَّا إذا كانت هناك عدَّة مجتهدين، ولم يدر أيتفقون أم يختلفون، مثل أن يكون في جيش عظيم أو ركب عظيم، فهل له أن يقلِّد من تيسَّر عليه منهم، أم يجب عليه أن يسأل


(١) في الأصل: «من غبوة علم»، والهاء موصولة بالواو. ولم يظهر لي صواب العبارة. فأثبت هكذا.
(٢) غيَّره في المطبوع إلى «بالعلم» دون تنبيه.
(٣) في الأصل: «جزويَّة».