للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المفتين، لأن من استوت عنده الجهات صلَّى إلى حيث شاء، ومن تكافأت عنده الدلالات أمسك عن الفتيا حتَّى يتبيَّن له الحقُّ. وذلك لأن لله المشرق والمغرب {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ولا يجوز أن يقال: أيّ شيء قلتم فهو حكم الله.

ولأنَّ التخيير بين الجهات لا تناقضَ فيه، بل هو كالتخيير بين أنواع القراءة والتشهد (١)، بخلاف التخيير بين اعتقاد التحليل والتحريم ونحو ذلك، فإنه متناقض. والمنصوص عنه في غير موضع، وهو مذهبه المعروف، أنَّ الحقَّ عند الله واحد، وعلى المكلَّف أن يطلبه، والمصيب له واحد. وليس هذا موضع استقصاء [ص ٢١٩] في ذلك.

ولا ريب أن كون الحقِّ عند الله واحدًا في باب الأحكام أبلغ [منه] (٢) في باب الاستقبال ونحوه، لأنَّ المختلفين في القبلة وإن كان يعلم أنَّ بعضهم مستقبلٌ (٣) غيرَ القبلة، فجعلُ جهةٍ غير القبلة قبلةً أمرٌ معهودٌ في الشرع في حال الخوف والتطوع على الراحلة. وهو في هذه الحال مستقبلُ القبلة التي شرعها الله له ظاهرًا وباطنًا، فكذلك في حال الجهل بها للاشتباه، أيُّ جهة ولَّاها فثمَّ وجهُ الله؛ بخلاف حكمٍ غيرِ الحكم الذي حَكَم الله، فإنه لا يجوز أن يكون هو حكمَ الله ظاهرًا وباطنًا بالنسبة إلى أحد من المكلَّفين، كما هو مقرَّر في موضعه، وإن قلنا: هو مصيب في اجتهاده، مخطئ بحكم الله، أو قلنا: هو مخطئ فيهما جميعًا. لكن الفرقَ بين التقليد في القبلة،


(١) في الأصل: «القراءت في التشهد». ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) زيادة يقتضيها السياق.
(٣) في الأصل: «مستقبلًا» والتصحيح من حاشيته.