للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النية المعتبرة. فعُلِم أنَّ الموجود حالَ التكبير حكمُ النيةِ المعتبرِ ذكرُها، وإذا كان حكمُها كافيًا، فلا فرق فيه بين التقدُّم والتأخُّر.

ولأنَّ التكبير كلام له معنى، فلا بدَّ أن يتدبَّره ويتصوَّره ويفهمه، لأنه لم يتعبد بلفظٍ لا يتدبَّر معناه، بل أكثرُ المقصود فهمُه وتصوُّره، وذلك إنما يكون حالَ النطق باللسان. فلو كُلِّف أن يُحضِر بقلبه إرادةَ تلك الأمور حينئذ لم يمكن ذلك. فعُلِمَ أنه حين التكلُّم إنما يستحضر معنى التكبير ونحوه من الأقوال، وأنَّ النية المعتبرة لذلك القول لا بد أن تسبقه، سواء كان بينهما فعلٌ أو لم يكن.

إذا تبيَّن ذلك فقال كثير من أصحابنا: إنما يجوز تقديمها بالزمن اليسير لأنَّ ذلك هو الذي تدعو الحاجة إليه، ولأن النية مرتبطة بالمنويِّ ارتباطَ القبول بالإيجاب، وارتباطَ ما يوصل بالكلام من الاستثناء ونحوه به؛ فلا بدَّ أن يتقارب ما بينهما من الزمن، لأنَّ طول الفصل يقطع الارتباط.

وقال الخِرَقي (١): وإن تقدَّمت النية قبل التكبير وبعد دخول الوقت ما لم يفسخها أجزأه.

وهذا كالنصِّ في جواز التقديم بعد دخول الوقت. وحمَلَ القاضي وغيره ذلك على التقديم بالزمن اليسير (٢). والصواب: إقراره على ظاهره. وقد صرَّح أبو الحسن الآمدي بمثل ذلك، فقال: يجوز تقديم النية على الصلاة بالزمن الكثير، كما يجوز بالزمن اليسير، ما لم يفسخها (٣)، لأنه إذا


(١) في «المختصر» (ص ١٩).
(٢) «المغني» (٢/ ١٣٦).
(٣) «المبدع» (١/ ٣٦٧) و «الإنصاف» (٢/ ٣٦٥).