للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذلك هلال ذي الحجة.

لما روى حسين بن الحارث الجدَليّ ــ جديلة قيس ــ: أن أمير مكة خطب ثم قال: «عَهِد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نَنْسك للرؤية، فإن لم نره وشهد شاهدا عدلٍ نَسَكْنا بشهادتهما. فقيل للحسين بن الحارث: مَن أميرُ مكة؟ فقال: الحارث بن حاطب أخو محمد بن حاطب. ثم قال الأمير: إن بكم مَن هو أعلم بالله ورسوله منِّي، وشهد هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأومأ بيده إلى رجل. قال الحسين لشيخ إلى جنبي: مَن هذا الذي أومأ إليه الأمير؟ قال: هذا عبد الله بن عمر، وصدق كان أعلم بالله منه. فقال: بذلك أمَرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -». رواه أبو داود والدارقطني (١)، وقال: هذا إسناد متصل صحيح.

فهذا الحديث يدلّ بمنطوقه على قبول شهادة الاثنين بكلِّ حال، سواء كانت السماء مُصْحِية أو مُغيّمة، ومفهومه مفهوم الشرط الذي هو أقوى المفاهيم، على أنه لا ينسك إلا بشهادة شاهِدَي عدلٍ؛ لأن الحكم المعلَّق بشرط معدومٌ عند عدمه، ولو كان الحكم يثبت بشاهد واحدٍ لما احتاج إلى ذكر الاثنين، وإذا ثبت هذا في هلال النحر فهلال الفطر أوْلى وأحْرى. وقد تقدم (٢) قوله: «فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا»، فإنّ مفهومَه أن الصوم والفطر لا يجتمعان إلا بشهادة اثنين، وهو كذلك.

ولا ينتقض هذا بقبول الواحد في الصوم لوجهين:


(١) أخرجه أبو داود (٢٣٣٨) والدارقطني (٢١٩٢). وصححه أيضًا النووي في «المجموع»: (٦/ ٢٧٦)، وابن الملقن في «البدر المنير»: (٥/ ٦٤٥).
(٢) (ص ١٠٦).