للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يجزئه مع تعيين غير رمضان؛ كما نص عليه في رواية الجماعة. وذلك لأن التعيين إنما يُفْتَقَر إليه للتمييز بين العبادتين، لجواز أن ينوي كلِّ واحدة منهما، والوقت هنا لا يصحّ لغير رمضان، ولا يصلح فيه غيره؛ فإنه لو صام في رمضان قضاءً أو نذرًا أو نفلًا، لم يصح وفاقًا.

وإذا كان متميزًا بنفسه لم يَفْتَقِر إلى التعيين، كما لا يفتقر المقيمُ أن ينوي الظهرَ أربعًا، ولأنه متى قصدَ الصيامَ وأراده، فقد أتى بالصوم الشرعي؛ لأنه عبارة عن الإمساك والنية، وإذا أتى بالصوم الشرعي أجزأه عن صوم شهر رمضان؛ لأنه لا يصح في هذا الوقت غيرُه، ولأنها عبادة تَعَيَّن لها هذا الوقتُ شرعًا، فإذا وقع غيرها من جنسها، وقع عينها، كما لو أحرم بالحج نفلًا أو نذرًا، فإنه يقع عن حجة الإسلام؛ لأن الشارع عيَّن أول حجة لحجة الإسلام بقوله: «هذه عنك، ثم حُجّ عن شُبْرمة» (١)، بل هذا أولى من الحجِّ؛ لأن هذا الزمان تعيَّن بتعيين الشارع، وقد أجمع الناسُ أنه لا يجوز أن يوقِعَ فيه غيرَه. والحجُّ وإن تعيَّن له ذلك العام فقد كان يجوز أن يوقَع في غيره.

وقد اخْتُلف في جواز إيقاع غيره فيه، ... (٢) والأول هو المذهب الذي عليه عامة الأصحاب، مثل أبي بكر وأبي حفص والقاضي وأصحابه، لقوله سبحانه: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: ١٨٥]. فإنه أمرٌ بصوم هذا الشهر متضمِّن للأمر بنيته، فإنَّ مَن صام فيه تطوُّعًا أو قضاءً أو صومًا مطلقًا؛ لم يصمه، وإنما صام فيه، ولأن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «وإنما لكلِّ امرئ ما نوى»،


(١) سيأتي تخريجه في كتاب الحج.
(٢) بياض في النسختين.