للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أرادوا أن يصبِّحوا العدوَّ، وكانت عزيمة.

وأما الإعراض عن الفطر تعمّقًا وتنطّعًا، أو استعظامًا للفطر وإكبارًا له، فمثل ما روَتْ عائشةُ قالت: «رخّص رسولُ الله في أمر، فتنزّه عنه ناسٌ من الناس، فبلغ ذلك النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فغضب حتى بان الغضب في وجهه، فقال: «ما بال أقوال يرغبون عمّا رُخّص لي فيه، فوالله إني لأعلمهم بالله، وأشدّهم له خشيةً» متفق عليه (١).

وكما (٢) أراد جماعةٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتبتَّلوا، وقال أحدُهم: أمّا أنا فأصومُ ولا (٣) أفطر، وقال الآخر: أما أنا أقوم لا أنام. وقال الآخر: أما أنا فلا آكل اللحمَ. وقال الآخر: أما أنا فلا آتي النساءَ، فبلغ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أمرُهم، فقال: «لكنّي (٤) أصومُ وأفطرُ، وأقومُ وأنامُ، وآكلُ اللحمَ، وآتي النساءَ، فمَن رغبَ عن سنّتي فليس منّي» (٥). وأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} (٦) [المائدة: ٨٧].

والأكلُ في السفر مِن طيّبات ما أحلّ الله لنا، فمَن اجتنبه تنزّهًا عنه ــ كالذي يجتنب اللحمَ والنساء ــ كان داخلًا في هؤلاء. وبهذا وشِبْهه مَرَقت


(١) أخرجه البخاري (٦١٠١، ٧٣٠١)، ومسلم (٢٣٥٦).
(٢) المطبوع: «كما».
(٣) س: «لا».
(٤) ق: «لكن».
(٥) أخرجه البخاري (٥٠٦٣)، ومسلم (١٤٠١) بنحوه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(٦) ينظر «تفسير الطبري»: (٨/ ٦٠٧ - ٦٠٨)، و «أسباب النزول» (ص ٣٣٥) للواحدي.