للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَسَخَ تلك الآيةَ التي بعدها، فقال: {شَهْرُ رَمَضَانَ ... } إلى قوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فنسخَتْها هذه الآية، فكان أهل العلم يرون ويرجون أن الرخصة قد ثبتت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يُطيقا الصيامَ أن يطعما مكان كلّ يوم مسكينًا، وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها، والمرضع إذا خشيت على ولدها». رواه محمد بن كثير، عن همّام عنه (١).

فهذا قول ثلاثة من الصحابة، ولم يُعرَف لهم مخالف.

وأيضًا فإن الصحابة والتابعين أخبروا أن الله رَخَّص في هذه الآية للعاجز عن الصوم أن يُفطر [ق ٤١] ويُطعِم، وأن حكم الآية باقٍ في حقِّه، وهم أعلم بالتنزيل والتأويل.

وأيضًا فإن ذلك تبيَّن من وجهين:

أحدهما: أن ابن عباس وأصحابه قرؤوا (يُطَوَّقونه) و {يُطِيقُونَهُ}، وهي قراءة صحيحة عنه، والقراءة إذا صحَّت عن الصحابة كان أدنى أحوالها أن تجري مجرى خبر الواحد في اتباعها والعمل بها؛ لأن قارئها يخبرُ أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قرأها كذلك، فإما أن يكون حرفًا من الحروف السبعة التي نزل القرآنُ بها، ويكون بعد النسخ يقرأ الآية على حرفين (يُطَوَّقونه) و {يُطِيقُونَهُ}، أو يكون سمعها على جهة التفسير وبيان الحكم، فاعتقد أنها مِن التلاوة. وعلى التقديرَين فيجبُ العمل بها، وإن لم يُقطَع بأنها قرآن، ولهذا موضع يُستوفَى


(١) في «كتاب الناسخ والمنسوخ عن قتادة» (ص ٣٧). ورواه أيضًا الطبري: (٣/ ١٦٨) من طريق حجاج بن المنهال، عن همام به.