للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن الموجب للكفّارة (١) مجرّد الفطر، لم يجز الإيجاب بمجرّد الظن.

الثاني: أنه لو وجب لأجل الإفطار لاستوى فيه جميع المفطِّرات، فإن تخصيص بعضها دون بعض نوعُ تشريعٍ يحتاج إلى دلالة الشرع.

الثالث: أن الجماع يُفارق غيرَه بقوّة داعيه وشدّة باعثه، فإنه إذا هاجت شهوتُه لم يكد يزعها وازعُ العقل ولا (٢) يمنعها حارسُ الدين.

ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه: «كلُّ عملِ ابن آدمَ له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله تعالى: إلا الصومُ، فإنه لي وأنا أجزي به؛ يدعُ طعامَه وشهوتَه مِن أجلي» (٣). فسمّى النكاحَ شهوةً، وسمّى المأكل طعامًا وإن كان يُشتهَى في الجملة.

ولهذا كان الحدّ المشروع فيه القتل، وأدناه الجلد والتغريب، وحدُّ المطعوم إنما هو جَلْد دون ذلك، وقد يصيب المبتلَين بشهوتهم في عقولهم وأديانهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم ما يجلّ عن النعت.

والأكل وإن [كانت] (٤) الضرورة إليه أشدّ، وعند [ق ٤٤] شدّة الجوع يُقَدَّم على كلّ مطلوب، لكن إنما هو جوعٌ يوم، ومثل هذا لا يكاد يبلغ بكلِّ أحدٍ من الناس إلى شيء من البلاء.

ولهذا ظاهَرَ سلمةُ بن صخر من امرأته، واعتقد أن وطأها حرام، ثم إنه


(١) س: «الكفّارة».
(٢) س: «ولم».
(٣) أخرجه البخاري (١٨٩٤)، ومسلم (١١٥١) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٤) زيادة يستقيم بها السياق.