للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبهذا يتبين أن قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} لولا حديث عائشة لحُمِل على الفور، وحديثُ عائشة إنما أفاد جواز التأخير إلى شعبان. وما زاد على ذلك لا يُعْلَم جواز التأخير فيه، ومطلق الأ [مرِ] (١) يقتضيه.

وقد احتجّ أصحابُنا بأنّ عائشة ذكرَتْ أنها كانت تقضيه في شعبان، لبيان تضييق وقته في شعبان، وأنها كانت تؤخّره إلى آخر وقته، فعُلِم أن وقت القضاء كان محصورًا، وأنها إنما أخّرت القضاء شُغلًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشعبانُ وغيرُه في الشغل سواء، فلولا تضيُّق الوقت لأخّرَتْه.

لكن يقال: إنما أخّرَتْه إلى شعبان لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم في شعبان، فتتمكّن من الصوم معه. وكذلك سياق الحديث يدلّ على ذلك.

الثاني: أن الصوم قد وُسِّع وقتُه على المسافر والمريض، فهو بالخِيَرة بين أن يصوم فيه أو فيما بعده، وضُيّق على الصحيح المقيم.

والعبادة الموسّعة يخرج وقتها بدخول وقت مثلها، بدليل الصلاة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس في النوم تفريط، إنما التفريطُ في اليقظة: أن يؤخِّر الصلاةَ حتى يدخلَ وقتُ الأخرى» (٢).

فإذا كان هذا في الصلاة فهو في الصوم أولى؛ لأن وقت الصلاة الثانية يتسع للصلاتين، ووقت الصوم الثاني لا يتسع لهما، ولأن الصوم قد استقرّ في ذمّته أعظم من استقرار الصلاة بأول الوقت.


(١). في النسختين: «الأ» وبعدها في ق مطموس. ولعله ما أثبت. واقترح قراءته: «ومطلق الأمر [لا] يقتضيه».
(٢). أخرجه مسلم من حديث أبي قتادة - رضي الله عنه -، وتقدم في كتاب الصلاة.