للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما يستحبّ الإيتار في الاستجمار، لما أخرجا في "الصحيحين" (١) عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استجمر فليوتر". وإن قطع عن شفع جاز، لأن في رواية أبي داود وابن ماجه: "من فعَلَ فقد أحسَنَ، ومن لا فلا حرج" (٢).

وإن اقتصر على أحدهما، فالماء أفضل في ظاهر المذهب. وعنه: أنه يكره الاستنجاء من غير استجمار، لأن فيه مباشرةَ النجاسة بيده ونشرَها من غير حاجة، ولأن الاقتصار على الحجر يجزئ بالإجماع من غير كراهة، والماء قد أنكره بعض السلف.

والأول أصح، لأنَّ الماء يطهِّر المحلَّ، ويزيل الأثر؛ والحجر يخفِّف. وكان قياسها على سائر البدن يقضي ألا يجزئ إلا الماءُ، وإنما أجزأت الأحجار رخصةً، فإذا استعمل الطهور كان أفضل. والمباشرة باليد لغرض صحيح وهو الإزالة، كما في سائر المواضع. ثم في الحجر يبقى أثر النجاسة ويدوم، فإن لم يُكره الحجرُ فلا أقلَّ من أن يكون مفضولًا.

وما نُقِل عن بعض الصحابة من إنكار الماء، فهو ــ والله أعلم ــ إنكارٌ على من يستعمله معتقدًا [٣٨/أ] لوجوبه، ولا يرى الأحجار مجزئة؛ لأنهم شاهدوا من الناس محافظةً على الماء لم تكن في أول الإسلام، فخافوا التعمُّقَ في الدين، كما قد يبتلى به بعض الناس. ولهذا قال سعد بن أبي وقاص: "لِمَ تُلحقون (٣) في دينكم ما ليس منه؟ يرى أحدكم أنّ حقًّا عليه أن


(١) البخاري (١٦١) ومسلم (٢٣٧).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) في المطبوع: "يلحقون"، تصحيف.