للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديبية سنة ست من الهجرة، لما صدَّ المشركون رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن إتمام عمرته التي قد كان أهلَّ بها، وفيها بايع المسلمين بيعةَ الرضوان، وفيها قاضى المشركين على الصلح على أن يعتمر من قابلٍ، فإنما يتضمن الأمر بالإتمام، وليس ذلك يقتضي الأمر (١) بالابتداء، فإن كل شارعٍ في الحج والعمرة مأمورٌ بإتمامهما، وليس مأمورًا بابتدائهما، ولا يلزم من وجوب إتمام العبادة وجوب ابتدائها، كما لا يلزم من تأكُّدِ (٢) استحباب الإتمام تأكُّد استحباب الشروع.

وأما كون الحج والعمرة من دين إبراهيم عليه السلام فهذا لا شك فيه، ولم يزل ذلك قربةً وطاعة من أول الإسلام، وجميع آيات القرآن تدل على حسن ذلك واستحبابه، وأما وجوبه فلا يعلم أنه كان واجبًا في شريعة إبراهيم البتةَ، ولم يكن لإبراهيم عليه السلام شريعة يجب فيها على الناس ... (٣).

ويوضح ذلك أنه لم يقل أحد إن الحج كان واجبًا من أول الإسلام.

الوجه الثاني: أن أكثر الأحاديث الصحيحة في دعائم الإسلام ليس فيها ذكر الحج، مثل حديث وفد عبد [ق ١٥٩] القيس (٤) لما أمرهم بأمرٍ فصْلٍ يعملون به، ويدعون إليه مَن وراءهم، ويدخلون به الجنة، أمرهم بالإيمان بالله وحده، وفسَّره لهم أنه الصلاة والزكاة وصوم رمضان وأن يُعطوا من المغنم الخمسَ. ومعلوم أنه لو كان الحج واجبًا لم يضمن لهم الجنة إلا به.


(١) س: «مقتض للأمر».
(٢) س: «توكد». وفي المطبوع: «تأكيد» في الموضعين، خلاف النسختين.
(٣) بياض في النسختين.
(٤) أخرجه البخاري (٥٣) ومسلم (١٧) من حديث ابن عباس.