للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباده المسلمين ما لا يمكن فعله؟ وإنما كانت الشرائع تنزل شيئًا فشيئًا، فكلَّما (١) قَدَروا على أمرٍ (٢) وتيسَّر عليهم أُمِروا به.

الوجه الثالث: أن الناس قد اختلفوا في وجوبه، والأصل عدم وجوبه في الزمان الذي اختلفوا فيه حتى يجتمعوا عليه، لا سيما والذين ذكروا وجوبه إنما تأولوا عليه آية من القرآن أكثر الناس يخالفونهم في تأويلها، وليس هنا نقل صحيح عن من يُوثَق به أنه وجب (٣) سنة خمس أو سنة ست.

الجواب الثالث: أنه وإن كان فُرِض متقدمًا لكن كانت هناك عوائق تمنع من فعله، بل من صحته بالكلية، سواء كان واجبًا أو غير واجب، أظهرُها منعًا: أن الحج قبل حجة الوداع كان يقع في غير حينِه؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يُنْسِئون النسيء الذي ذكره الله تعالى في القرآن حيث يقول: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [التوبة: ٣٧]. فكان حجهم قبل حجة الوداع في تلك السنين يقع في غير ذي الحجة.

روى أحمد (٤) بإسناده عن مجاهد في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ


(١) س: «كلما».
(٢) «على أمر» ساقطة من س.
(٣) في المطبوع: «واجب»، خلاف النسختين.
(٤) كما في «السنن الكبرى» للبيهقي (٥/ ١٦٦). قال أحمد: «حدثَنا بهذا الحديث عبدُ الرزاق ثنا معمر عن ابن أبى نجيح عن مجاهد». وأخرجه الطبري (١١/ ٤٥٥) من طريق آخر عن معمر به.