للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يجوز أن يقال: فقد كان يُمكِن المسلمَ أن يحج في غير وقت حج المشركين، أما قبل الفتح فلو فعل ذلك أحد لأُرِيق دمه، ولمُنِع من ذلك وصُدَّ، وكذلك بعد الفتح؛ لأن القوم حديثو عهدٍ بجاهلية، وفي استعطافهم تأليفُ قلوبهم، وتبليغ الرسالة في الموسم ما فيه.

والذي يبيِّن ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اعتمر عمرة الحديبية، ثم عمرة القضية من العام المقبل، ثم عمرة الجعرانة من العام الذي يليه، ومعه خلق (١) من المسلمين، فقد كان يمكنه أن يحج بدل العمرة، فإنه أكمل وأفضل أن (٢) يجعل بدل هذه (٣) العمرة حجة، أو يأمر أحدًا من أصحابه بذلك، ولو أنها حجة مستحبة كما أن العمرة مستحبة، فلمّا لم يفعل عُلِم تعذُّر الحج الذي أذن الله لاختصاصه بوقت دون العمرة.

وقد ذكروا (٤) أيضًا من جملة أعذاره اختلاط المسلمين بالمشركين، وطوافهم بالبيت عُراةً (٥)، واستلامهم الأوثان في حجهم، وإهلالهم بالشرك حيث يقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك (٦)، وإفاضتهم من عرفات قبل غروب الشمس، ومن جَمْعٍ بعد طلوعها، ووقوف الحُمْس عشية عرفة بمزدلفة، إلى غير ذلك من المنكرات التي لا يمكن الحج


(١) في المطبوع: «خلق كثير». و «كثير» ليست في ق، ومضروب عليها في س.
(٢) س: «أو».
(٣) ق: «بدل بعض هذه».
(٤) انظر «التعليقة» (١/ ١٣٢، ١٣٣) و «المغني» (٥/ ٣٧).
(٥) «عراة» ساقطة من ق.
(٦) في المطبوع: «ومالك».