للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: ٢٠]، والأجير إنما يريد بهذه العبادة حرث الدنيا. وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: ١٥]، وقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: ١٨].

ولأن ذلك أكلٌ للدنيا بالدين؛ لأنه يبيع عمله الصالح الذي [ق ١٦٣] قد قيل فيه: «من حج هذا البيت (١) فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ، رجع من ذنوبه كيومِ ولدتْه أمه» (٢). ويشتري به ثمنًا قليلًا، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن استؤجر بدراهم يغزو بها: «ليس لك من دنياك وآخرتك إلا هذا» (٣).

وهذا لأن الإجارة معاوضة على المنفعة، يملك بها المستأجر المنفعة كما يملك المشتري الأعيان المبيعة، فالأجير للحج يبيع إحرامه وطوافه وسعيه ووقوفه ورميه لمن استأجره (٤) بالأجر الذي أخذه.

ولأن أخذ العوض يُبطل القربة المقصودة، كمن أعتق عبده على مال يأخذه منه، لا يُجزِئه عن الكفارة.

ولأن الحج عملٌ من شرطه أن يكون قُربةً لفاعله، فلا يجوز الاستئجار


(١) «هذا البيت» ليست في س. وهي ثابتة في «الصحيحين».
(٢) أخرجه البخاري (١٨١٩، ١٨٢٠) ومسلم (١٣٥٠) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) صحّ ذلك من حديث يعلى بن أمية ابن مُنية - رضي الله عنه - بلفظ: «ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلَّا دنانيره التي سمَّى». أخرجه سعيد بن منصور (٢٣٦٣) وأحمد (١٧٩٥٧) وأبو داود (٢٥٢٧) والحاكم (٢/ ١١٢) وغيرهم. وروي نحوه من حديث عوف بن مالك وعبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما -، ولا يصحّ.
(٤) ق: «استأجر».