للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السفرة للحج والعمرة، فكره أن يبقى البيت مهجورًا عامةَ السنة، وأحبّ أن يعتمر في سائر شهور السنة ليبقى البيت معمورًا مَزْورًا كلَّ وقت بعمرة مفردة (١) يُنْشَأُ لها سفرٌ مفرد، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل، حيث اعتمر قبل الحجة ثلاث عُمَرٍ مفرداتٍ.

وعَلِم أن أتمَّ الحج والعمرة أن ينشِئ لهما سفرًا من الوطن كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرَ لتحصيل هذا الفضل والكمال لرغبته طريقًا إلا أن ينهاهم عن الاعتمار مع الحج وإن كان جائزًا، فقد ينهى السلطان بعض رعيته عن أشياء من المباحات والمستحبات لتحصيل ما هو أفضل منها من غير أن يصير الحلال حرامًا.

قال يوسف بن ماهَك: إنما نهى عمر - رضي الله عنه - عن متعة الحج من أجل أهل البلد؛ ليكون موسمين في عام، فيصيب أهل مكة من منفعتهما.

وقال عروة بن الزبير: إنما كره عمر العمرة في أشهر الحج إرادةَ أن لا يُعطَّل البيت في غير أشهر الحج. رواهما سعيد (٢).

وأيضًا فخاف إذا تمتعوا بالعمرة إلى الحج أن يبقَوا حلالًا حتى يقفوا بعرفة مُحِلِّين، ثم يرجعوا مُحرِمين، كما بيَّن ذلك في حديث أبي موسى وغيره حيث قال: «كرهتُ أن يظلُّوا مُعرِسين بهن في الأراك ــ يعني أراك عرفة ــ ثم يروحون في الحج تَقطُر رؤوسهم» (٣).


(١) «مفردة» ساقطة من المطبوع.
(٢) ورواهما أيضًا أبو عُبيد في «الناسخ والمنسوخ» (٣٤٥، ٣٤٤) ولاءً. وكلاهما مُرسل، إذ يوسف وعُروة لم يُدركا عمر، ولكن يشهد لهما آثار أخرى.
(٣) سبق تخريجه (ص ٣١٤).