للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بُقِرتْ أكمامه وفُتِقتْ أوصاله، فإن وجود هذا نادر، وبتقدير وجوده لا يسمُّونه قميصًا.

ولما تفطَّن جماعة من أهل الفقه لمثل هذا [و] علموا أن أحد الحديثين لا يجوز أن يُعنى به ما عُني بالآخر، لم يكن لهم طريق إلا أن قالوا: هما حديث واحد، فيه زيادة حفظها بعضهم وأغفلها غيره.

وقد بيّنا أنهما حديثان. وبهذا الذي ذكرنا يتبيَّن بطلان ما قد يُورَد على هذا، مثل أن يقال: التخصيص والتقييد أولى من النسخ، أو أن من أصلنا أن العام يُبنى على الخاص، والمطلق على المقيد، وإن كان العام والمطلق هما المتأخران في المشهور من المذهب، فإنما ذاك حيث يجوز أن يكون التخصيص والتقييد واقعًا، فيكون الخطاب الخاصّ المقيّد يبيّن مراد المتكلم من الخطاب العام المطلق. أما إذا دلَّنا دليل على أن المراد باللفظ إطلاقه وعمومه، أو (١) أن تخصيصه وتقييده لا يجوز، أو أن اللفظ ليس موضوعًا لتلك الصورة المخصوصة المقيدة، أو كان هناك قرينة تبيِّن قصد النسخ والتغيير، إلى غير ذلك من الموجبات= فإنه يجب المصير إليه. وببعض ما ذكرناه صار قولُه: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] ناسخًا (٢) لقوله: {قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} [البقرة: ٢١٧]، و (٣) قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] ناسخًا لقوله: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩١]، فكيف وما ذكرناه بعيد عن المطلق والمقيد.


(١) ق: «و».
(٢) س: «ناسخ». وسيأتي بالنصب فيما يلي.
(٣) «قولُه ... و» ساقطة من ق.