للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخفاف الصحة، وإنما يقطع الخفَّ من له في ذلك غرضٌ. والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفاف لمن لم يجد النعال»، فذكر الخفاف بصيغة الجمع معرَّفةً بلام التعريف، وهذا يقتضي الشمول والاستغراق، فلو أراد بذلك ما يقلُّ وجوده من الخفاف لكان حملًا للفظ العام على صورةٍ (١) نادرة، وهذا غير جائز أصلًا.

ولهذا أبطل الناس تأويل من تأوَّل قوله: «أيُّما امرأةٍ نكحتْ نفسَها بغير إذن وليِّها» (٢) على المكاتبة، فكيف إذا كانت تلك الصورة (٣) النادرة بعض مجازات اللفظ؟ فإنه أعظم في الإحالة، لأن من تكلَّم بلفظ عام، وأراد به ما يقلُّ (٤) وجوده من أفراد ذلك العام ويندر، ولا يسمَّى به إلا على وجه التجوُّز مع نوع قرينة، مع أن الأغلب وجودًا واستعمالًا غيرُه= لا يكون مبينًا بالكلام بل مُلْغِزًا، وهذا أصل ممهَّد في موضعه.

وكذلك رواية من روى: «من لم يجد نعلين فليلبس خفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل»، فإن [ق ٢٣٦] الخفين مطلق، وتقييد المطلق مثل تخصيص العام، فلا يجوز أن يقيَّد بصورة نادرة الوجود، ولا يقع عليها الاسم إلا مجازًا بعيدًا، وصار مثل أن يقول: البسْ قميصًا، ويعني به قميصًا


(١) س: «صور».
(٢) أخرجه أبو داود (٢٠٨٣) والترمذي (١١٠٢) وابن ماجه (١٨٧٩) من حديث عائشة. وحسَّنه الترمذي، وصححه ابن حبان (٤٠٧٤) والحاكم (٢/ ١٦٨). وقد بسط الكلام عليه البيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ١٠٥ - ١٠٧) والحافظ في «التلخيص الحبير» (٣/ ١٥٦، ١٥٧).
(٣) س: «الصور».
(٤) في النسختين بعدها: «به». ولا حاجة إليها.