للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهنا أمر بلبس الخفّ والسراويل، ومتى قُطِع الخف حتى صار كالحذاء وفُتِقَ السراويل حتى صار إزارًا، لم يبقَ يقعُ عليه اسم خف ولا سراويل. ولهذا إذا قيل: امسح على الخف، ويجوز المسح على الخف، وأمرنا أن لا ننزِعَ خفافنا= لم يدخل فيه المقطوع والمَدَاس (١)، ولا يُعرف في الكلام أن المقطوع والمَدَاس ونحوهما يسمَّى خفًّا، ولهذا في حديث: «فليلبس [الخفَّين] (٢) وليقطَعْهما حتى يكونا أسفلَ من الكعبين»، فسماهما خفَّين قبل القطع، وأمر بقطعهما كما يقال: افْتِقِ السراويلَ إزارًا، واجعلِ القميصَ رداء، ومعلوم أنه إنما يسمى قميصًا وسراويل قبل ذلك. فعُلِم أن المقطوع لا يسمَّى بعد قطعه خفًّا أصلًا، إلا أن يقال: خف مقطوع، كما يقال: قميص مفتوق، وهو بعد الفتق ليس بقميص ولا سراويل، وكما يقال: حيوان ميت، وهو بعد الموت ليس بحيوان أصلًا، فإن حقيقة الحيوان الشيء الذي به حياة، وكما يقال لعظام الفرس: هذا فرس ميت، ويقال لخلّ الخمر: هذا خمر مستحيل، ومعلوم أنه ليس خمرًا؛ يسمَّى الشيء باسم ما كان عليه إذا وُصِف بالصفة التي هو عليها الآن؛ لأن مجموع الاسم والصفة يُنبِئ عن حقيقته، فإذا ذُكِر الاسم وحده لم يجز أن يراد به إلا معناه الذي هو معناه. والنبي - صلى الله عليه وسلم - أمر هنا بلبس الخف، وما تحت الكعب لا يسمى خفًّا، فلا يجوز حملُ الكلام عليه، فضلًا عن تقييده به، بخلاف الرقبة المؤمنة والأيام المتتابعات، فإنها رقبة وأيام، وهذا بيِّن واضح.

الوجه الخامس: أنه لو سُمِّي خفًّا فإن وجوده نادر، فإن الأغلب على


(١) نوع من الأحذية لا يغطّي أعقاب الرجلين.
(٢) زيادة من الحديث المشار إليه، وقد سبق ذكره.