للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عما يقتل المحرم؟ قال: «الحيَّة والعقرب والفُويسِقة، ويرمي الغراب ولا يقتله، والكلب العقور، والحِدَأة، والسَّبُع العادي». رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن (١)، وذكره أحمد في رواية الفضل بن زياد.

فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يؤذي الناسَ في أنفسهم وأموالهم، وسمّاهن فواسقَ لخروجهن على الناس.

ولم يكن قوله «خمس» على سبيل الحصر؛ لأن في أحد الحديثين ذكر الحيّة، وفي الآخر ذكر العقرب، وفي آخر ذكرها وذكر السَّبُع العادي، فعُلِم أنه قصد بيان ما تمسُّ الحاجة إليه كثيرًا، وهو هذه الدوابّ، وعلّل ذلك بفسوقها؛ لأن تعليق الحكم بالاسم المشتق المناسب يقتضي أن ما منه الاشتقاق علة للحكم، فحيثما وُجِدت دابة فاسقة ــ وهي التي تضرُّ الناس وتؤذيهم ــ جاز قتلها.

وقوله في حديث أبي سعيد: «يرمي الغراب ولا يقتله» إما أن يكون منسوخًا بحديث ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة؛ لأن الرخصة بعد النهي، لئلا يلزم التغيير (٢) مرتين (٣)، أو يكون رميُه هو الأَولى وقتلُه جائزًا.


(١) أحمد (١٠٩٩٠) وأبو داود (١٨٤٨) وابن ماجه (٣٠٨٩) والترمذي (٨٣٨). قال الحافظ: «فيه يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف وإن حسنه الترمذي، وفيه لفظة منكرة وهي قوله: ويرمي الغراب ولا يقتله». «التلخيص الحبير» (٢/ ٢٧٤).
(٢) في الهامش: «أي تغيير الحكم».
(٣) أي أن النهي عن قتل الغراب منسوخ بالرخصة المذكورة في قوله: «لا حرجَ على من قتلهن»، فيكون النهي متقدمًا على الرخصة، وليست الرخصة متقدمةً على النهي، لأنها لو كانت كذلك للزم تغيير الحكم مرتين، لأن لفظ الرخصة يوحي بوجود النهي قبله، فكأنه كان منهيًّا عنه ثمّ رخّص فيه ثم نُهي عنه، وهذا مخالف لعامة أحكام الشريعة.