للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإحرام قد بُيِّنت، وحديث عثمان إنما قاله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك؛ لأن النهي عن اللباس والطيب إنما بيِّن في حجة الوداع، فكيف النهي عن عقد النكاح؟ إذ حاجة المحرمين إلى بيان أحكام اللباس أشدُّ من حاجتهم إلى بيان حكم النكاح، والغالب أن البيان إنما يقع وقت الحاجة. فهذه القرائن وغيرها تدلُّ من كان بصيرًا بالسنن كيف كانت تُسَنُّ، وشرائع الإيمان كيف كانت تنزل= أن النهي عن النكاح متأخر.

الثالث: أن تزوُّجه فعلٌ منه، والفعل يجوز أن يكون خاصًّا به، وحديث عثمان نهيٌ لأمته، والمرجع إلى قوله أولى من فعله، ومن ردَّ نصَّ قوله وعارضه بفعله فقد أخطأ.

الرابع: أن حديث عثمان حاظرٌ وحديث ابن عباس مبيح، والأخذ بالحاظر أحوط من الأخذ بالمبيح.

الخامس: أن أكابر الصحابة قد عملوا بموجب حديث عثمان، وإذا اختلفت الآثار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظرنا إلى ما عمل به الخلفاء الراشدون. ولم يخالفهم أحد من الصحابة فيما بلغنا إلا ابن عباس، وقد عُلِم مستند فتواه، وعُلِم أن من حرّم نكاح المحرِم من الصحابة يجب القطع بأنه إنما فعل ذلك عن علمٍ عنده خفي على من لم يحرِّمه، فإن إثبات مثل هذه الشريعة لا مطمعَ في دَرْكِه بتأويل أو قياس، وأصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمُ بالله وأخشى له (١) من أن يقولوا على الله ما لا يعلمون. بخلاف من أباحه، فإنه قد يكون مستنده الاكتفاء بالبراءة الأصلية، وإن كان قد ظهر له في هذه المسألة مستند آخر مضطرب.


(١) «له» ساقطة من المطبوع.