للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجه يفضي الاستمتاع إلى مشاقَّ شديدة: من المضيِّ في الفاسد، ووجوب القضاء والهدي، والتعرُّض لسخط الله وعقابه. والإحرام لا يُنال إلا بكُلَف ومشاقَّ، وليس في العبادات أشدُّ لزومًا وأبلغُ نفوذًا منه، فإيقاع النكاح فيه إيقاعٌ له [في مشقة] (١).

وأيضًا فإن الإحرام مبناه على مفارقة العادات في الترفُّه، وترك أنواع الاستمتاعات، فلا يلبس اللباس المعتاد، ولا يتطيَّب ولا يتزيَّن ولا يتظلَّل، ويلازم الخشوع والاخْشِيشان، ويقصد بيت الله أشعثَ أغبرَ أدفرَ قمِلًا. ولا شكّ أن من يتزوج فقد فتح باب التنعم والاستمتاع، وعقد أسباب اللذة والشهوة، وتعرَّض للّهو واللعب، وحاله مخالفة لحال الخاشع المعرض عن جميع العادات. والصائم يخالفه في عامة هذه الأشياء، فإن محفيه (٢) الطيب والمِجْمر. والمعتكف بينهما.

وأيضًا فإن المعتدّة عن وفاة الزوج مُنِعت الطيبَ والزينة، حسمًا لموادِّ النكاح، ومفارقةً لحال المتزوجة، وأُلزِمتْ لزومَ المنزل، والمحرمة قد مُنِعت الطيبَ والزينة، فهي كالمعتدّة من [هذا] الوجه.

وأيضًا فإن المقصود من النكاح الاستمتاع، فلما مُنع المحرم من النكاح مُنع من مقصوده، كتملُّك الصيد لمّا كان مقصوده (٣) ابتذال الصيد وإتلافه مُنع منه كما (٤) كان ممنوعًا من مقصوده؛ يوضح ذلك: أن نفس مِلك الصيد


(١) زيادة ليستقيم المعنى.
(٢) كذا في النسختين، وكتب بهامشهما: «كذا».
(٣) في النسختين: «مقصود».
(٤) في النسختين: «لما». والمثبت يقتضيه السياق.