للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقضيا حجَّهما.

فهذه أقوال الصحابة مع المرسل المرفوع لا يُعرَف أثر صريح يخالف ذلك. وذلك لأنه إذا جامعها في المكان الذي واقعها فيه لم يُؤمَن أن تتكرر تلك الحال، فتدعوه نفسه إلى مواقعتها، فيُفسِد الحجة الثانية كما أفسد الأولى، فإن رؤية الأمكنة تُذكِّر بالأحوال التي كانت فيها، وشهوة الجماع إذا هاجت فهي قاهرة (١) لا تنضبط، وهذا معروف في الطباع، وقد (٢) ذكر الشعراء ذلك في أشعارهم، حتى قيل: إن سبب حب الوطن ما قضته النفس من الأوطار فيه، وربما قد جرِّب.

وأيضًا فإن مفارقة الحال والمكان الذي عصى الله فيه من تمام التوبة.

وأيضًا فإنهما لما اجتمعا على معصية الله كان من توبتهما أن يتفرقا في طاعة الله، لقوله {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: ٦٧]، وقد قال طاوس: «ما اجتمع رجلان على غير طاعة الله إلا تفرَّقا عن تَقالٍ (٣)» (٤)، فإن تعجَّلا ذلك التقال (٥) في الدنيا كان خيرًا لهما من تأخيره إلى الآخرة.


(١) «قاهرة» ساقطة من المطبوع.
(٢) «قد» ساقطة من المطبوع.
(٣) تحرّف في المطبوع هنا وفي الموضع الآتي إلى «الثقال» بالثاء المثلثة! والتقالي: التباغض.
(٤) لم أجد من أخرجه. وقد ذكره شيخ الإسلام في «مجموع الفتاوى» (١٥/ ١٢٨، ٢٠/ ٨٠) بلفظ: « ... على غير ذات الله ... ».
(٥) كذا في النسختين، والصواب «التقالي» لأنها في حالة النصب فتثبت الياء.