للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحدها: أن «مَنْ» حرف شرط، والحكم المعلّق بشرطٍ= عَدَمٌ عند عدمه حتى عند أكثر نفاة المفهوم. والحكم المذكور هنا وجوب فدية على التخيير إذا حلق، فلو كانت هذه الفدية مشروعة في حال العذر وعدمِه لزم إبطال فائدة الشرط والتخصيص.

وقولهم: التخصيص لجواز الحلق وإباحته، يُجاب عنه بأن الجواز ليس مذكورًا في الآية، وإنما المذكور وجوب الفدية، وإنما الجواز يستفاد من سياق الكلام، ولو كان الجواز مذكورًا أيضًا فالشرط شرط في جواز الحلق وفي هذه (١) الفدية المذكورة.

الثاني: المريض ومن به أذًى معذور في استباحة المحظور، والمعذورُ يناسب حاله التخفيف عنه والترخيص له، فجاز أن تكون التوسعة له في التخيير لأجل العذر؛ لأن الحكم إذا عُلِّق بوصف مناسب كان ذلك الوصف علة له. وإذا كان علة التوسعة هو العذر لم يجز ثبوت الحكم بدون علته. يوضِّح هذا أن الله بدأ بالأخف فالأخف من خصال الفدية؛ قال: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] تنصيصًا على أن «أو» للتخيير، إذ وقع الابتداء بأدنى الخصال، وغير المعذور بعيد من هذا، ولهذا بدأ في آية الجزاء بأشد الخصال وهو المثل لما ذكر المتعمد (٢).

الثالث: أن الله سماها فدية، والفدية إنما تكون في الجائزات كفدية الصيام، وهذا لأن الصائم والمحرم ممنوعان مما حُرِّم عليهما محبوسان عنه، كالرقيق والأسير الممنوع من التصرف، فجوَّز الله لهما أن يفتديا


(١) «هذه» ساقطة من المطبوع.
(٢) في المطبوع: «المعتمد» تحريف.