للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر القاضي في «المجرد» وأبو الخطّاب وغيرهما التلبيةَ على الصفا والمروة مطلقًا، ثم قالوا بعد ذلك (١): «فإن كان معتمرًا أو متمتعًا»، و «إن كان مفردًا أو قارنًا». وقد روى الأزرقي (٢) بإسناد صحيح عن مسروق، قال: «قدمتُ معتمرًا مع عائشة - رضي الله عنها - وابن مسعود، فقلتُ: أيَّهما ألزمُ؟ ثم قلت: ألزمُ عبد الله بن مسعود، ثم آتي أمَّ المؤمنين فأسلِّم عليها، فاستلم عبد الله بن مسعود الحجر، ثم أخذ على يمينه، ورمل ثلاثة أطواف ومشى أربعة، ثم أتى المقام فصلّى ركعتين، ثم عاد إلى الحجر فاستلمه، وخرج إلى الصفا، فقام على صَدْعٍ (٣) فيه فلبَّى. فقلتُ له: يا أبا عبد الرحمن، إن ناسًا من أصحابك ينهون عن الإهلال هاهنا، قال: ولكني آمرُك به، هل تدري ما الإهلال؟ إنما هي استجابة موسى عليه السلام لربه عز وجل، قال: فلما أتى الوادي رَملَ، قال: «ربِّ اغفر وارحَمْ، إنك أنت الأعزُّ الأكرم» (٤).

والصوابُ الأول؛ لما تقدَّم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يلبِّي في عمرته حتى يستلم الحجر. وأثر ابن مسعود قد خالفه فيه عدة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما ذكره مسروق، وإذا تنازع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت السنة قاضيةً بينهم. وليس هو صريحًا بأن ابن مسعود كان معتمرًا، وإنما الصريح فيه أن


(١) انظر «الهداية» (ص ١٩١).
(٢) (٢/ ١١٧ - ١١٨). ورواه أيضًا الفاكهي (١٣٩١) والطحاوي في «أحكام القرآن» (١٣٦٣) والبيهقي (٥/ ٩٥) وقال: «هذا أصح الروايات في ذلك عن ابن مسعود».
(٣) أي الشَّقّ.
(٤) في النسختين: «الأكبر». والتصويب من مصدر التخريج.