للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا رجل إنما أدرك الناس قبيل (١) الإفاضة من جَمْع؛ لأن مجيئه إلى مزدلفة قبل التعريف لا أثر له، فإن مزدلفة إنما يصحُّ المبيت والوقوف بها بعد عرفة، ومع هذا لم يأمره عمر بدم، بل انتظره ليقف مع الناس، ولو كان وقت الواجب (٢) قد ذهب لما كان لانتظاره معنًى.

وأيضًا فإن الوقوف بالمزدلفة بعد الوقوف بعرفة بنصّ الكتاب (٣) والسنة. والعبادات المتعاقبة لا يجوز دخول وقت إحداهما في وقت الأخرى، كأوقات الصلوات. ووقت عرفة يمتدُّ إلى طلوع الفجر، فلو كان وقت مزدلفة ينتهي إلى ذلك الوقت لكان وقت مزدلفة بعضَ وقت عرفة، وذلك لا يجوز.

وأما قولهم: المبيت بمزدلفة واجب.

قلنا: هذا غير مسلَّم، فإن من أدركها في النصف الثاني أو قبيلَ طلوع الفجر لا يُسمَّى بائتًا بها، ألا ترى أن المبيت بمنى لما كان واجبًا لم يجزْ أن يبيتَ بها لحظةً من آخر الليل حتى يبيتَ بها معظمَ الليل. نعم من أدركها أولَ الليل فعليه أن يبيت بها إلى آخر الليل؛ لأجل أن الوقوف المطلوب هو في النصف الآخر، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، وصار هذا مثل الوقوف الواجب بعرفة هو آخر النهار، فإذا نزلوا بنَمِرَة أقاموا إلى نصف النهار لانتظار الوقوف، لا لأن النزول بنَمِرةَ هو المقصود، ولو تأخَّر الإنسان إلى وقت الوقوف أجزأ، كذلك هنا.


(١) في المطبوع: «قبل».
(٢) في المطبوع: «الوجوب».
(٣) في النسختين: «القرآن». والمثبت من هامشهما بعلامة ص.