للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأنصار يُهِلُّون لمناةَ. قال: وكانت مناةُ للأوس والخزرجِ، وغسانَ من الأزد، ومن كان يَدينها من أهل يثرِب وأهل الشام، وكانت على ساحل البحر من ناحية المُشلَّل بقُدَيدٍ.

وذكره بإسناده عن ابن السائب، قال: كانت صخرةً لهذيل، وكانت بقُدَيدٍ.

فقد تبيَّن أن الآية قُصِد بها رفْعُ ما توهَّمه (١) الناس أن الصفا والمروة من جملة الأحجار التي كان أهل الجاهلية يعظِّمونها.

أما الأنصار في الجاهلية فكانوا يتركون الطواف بهما لأجل الصنم الذي كانوا يُهِلُّون له، ويَحِلُّون عنده، مضاهاةً بالصنمين اللذين كانا على الصفا والمروة.

وأما غيرهم فلكون أهل الجاهلية غيرِ الأنصار كانوا يعظِّمونهما، ولم يجرِ لهما ذكرٌ في القرآن.

وهذا السبب يقتضي تعظيمهما وتشريفهما مخالفةً للمشركين، وتعظيمًا لشعائر الله، فإن اليهود والنصارى لما أعرضوا عن تعظيم الكعبة قال الله: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧]، وأوجب حجَّها على الناس (٢). فإذا كانت الصفا والمروة مما أعرض عنه بعض المشركين وهو من شعائر الله، كان الأظهر إيجابَ العبادة عنده كما وجبت العبادة عند البيت، ولذلك سنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مخالفةَ المشركين، حيث كانوا يُفِيضون من المزدلفة، فأفاض من عرفات، وصارت الإفاضة من عرفات واجبة، ووقف إلى غروب الشمس، فصار الوقوف بها واجبًا. فقد رأينا كل مكانٍ من


(١) في المطبوع: «توهم».
(٢) في النسختين: «البيت».