للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشعائر أعرض المشركون عن النُّسك فيه، أوجب الله النسك فيه.

وأما قوله: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} فإن التطوع في الأصل مأخوذ من الطاعة، وهو الاستجابة والانقياد، يقال: طوَّعتُ الشيء فتطوَّعَ أي سهَّلتُه فتَسهَّل، كما قال: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ} [المائدة: ٣٠]، وتطوَّعتُ الخيرَ: إذا فعلتَه بغير تكلُّف وكراهية.

ولما كانت مناسك الحج عبادة محضة، وانقيادًا صِرفًا، وذلًّا للنفوس، وخروجًا عن العزّ والأمور المعتادة، وليس فيها حظٌّ للنفوس، فربما قبَّحها الشيطان في عين الإنسان، ونهاه عنها، ولهذا قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: ١٦]. قال رجال (١) من أهل العلم: هو طريق الحج (٢). وقال بعد أن فرض: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: ٩٧]، لعلمه أن من الناس من قد يكفُر بهذه العبادة وإن لم يكفُر بالصلاة والزكاة والصيام، فلا يرى حجَّه بِرًّا ولا تركَه إثمًا.

ثم الطواف بالصفا والمروة خصوصًا، فإنه مطاف بعيد، وفيه عَدْوٌ شديد، وهو غير مألوف في غير الحج والعمرة، فربما كان الشيطان أشدَّ تنفيرًا عنهما، فقال سبحانه: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا}، فاستجابَ لله وانقادَ له، وفعلَ هذه العبادة طوعًا لا كرهًا، عبادةً لله وطاعةً له ولرسوله. وهذا مبالغة في الترغيب فيهما، ألا ترى أن الطاعة موافقة الأمر، وتطوُّعُ الخير خلافُ تكرُّهِه. فكل فاعلِ خيرٍ طاعةً لله طوعًا لا كرهًا، فهو متطوِّعٌ خيرًا، سواء كان


(١) في المطبوع: «رجل».
(٢) انظر «الدر المنثور» (٦/ ٣٣٧).