للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر القاضي (١) أن قول أحمد في رواية ابن القاسم في الذي يفوته الحج: «يفرغ من عمله» إيماءٌ إلى هذا القول؛ وذلك لأن الإحرام بالحج أوجب عليه أفعالها (٢) كلها، فتعذُّرُ الوقوف وما يتبعه لا يوجب تعذُّرَ الطواف وما يتبعه، فوجب أن يكون هذا الطواف هو الطواف الذي أوجبه إحرام الحج.

ونحن وإن قلنا: إنه يجوز له فسخ الحج إلى العمرة، فإنما ذاك أن يفسخ باختياره، ويأتي بعد ذلك بالحج، وهنا الانتقالُ إلى العمرة يصير واجبًا، ولا حجَّ معه، فكيف يُقاس هذا على فسخ الحج إلى العمرة؟

والأول أصحُّ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «الحج عرفة» وبيَّن أنه (٣) من لم يُدركها لم يُدرك الحجَّ، فلو كان قد بقي بعض أعمال الحج لكان إنما فاته بعض الحج، ولكان قد أدرك بعضَ الحج، ولم يكن فرقٌ بين قوله: «الحج عرفة» و «الحج الطواف بالبيت»، لو كان كل منهما يمكن فعله مع فوت الآخر، فلما قال: «الحج عرفة» عُلِم أن سائر أفعال الحج معلَّقة (٤) به، فإذا وُجِد أمكن أن يُوجد غيره، وإذا انتفى امتنع أن يُوجد غيره.

وأيضًا فإن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلهم صرَّحوا بأنه يجعلها عمرة، ومنهم من قال: يُهِلُّ بعمرة. وهذا كله دليل بيِّن في أنه يجعل إحرامه بالحج


(١) في المصدر السابق.
(٢) كذا في النسختين بتأنيث الضمير، والأولى تذكيره، لأنه للحج. ويمكن توجيهه أن المقصود به مناسك الحج.
(٣) في المطبوع: «أن» خلاف النسختين.
(٤) ق: «متعلقة».