للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا لم يعُدْ إلى الإسلام فلا معنى لنقض وضوئه، وإن عاد إلى الإسلام وجب عليه الاغتسال في المنصوص، وهو أكبر من الوضوء، فيدخل فيه الوضوء.

ثم رأيت القاضي قد صرَّح في «الجامع الكبير» بذلك، وقال: لا معنى لجعلها من النواقض مع وجوب الطهارة الكبرى بالإسلام. [١٠٤/أ] ويجاب عنه بأنه تظهر فائدته إذا عاد إلى الإسلام، فإنا نوجب عليه الوضوء والغسل. وإن نواهما بغسله أجزأه في المشهور، كما إذا نقض وضوءه بغير الردّة. ومن لم ينقض وضوءه بالردّة لم يوجب عليه إلا الغسل. ولو لبس الخفَّ على هذه الطهارة، ثم أسلم واغتسل في خفَّيه، لم يكن له (١) المسح، لأنه لبس الخفَّ محدثًا. ولو قلنا: هو طاهر، لجاز له المسح، لأنه لبسه على طهارة لم يُحدِث بعدها.

وقد احتجَّ جماعة من أصحابنا على ذلك بقوله سبحانه وتعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] بناءً على أن الردَّة تُحبط العملَ بمجرَّدها، فإن الموت عليها في قوله تعالى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} [البقرة: ٢١٧]. شرطٌ للخلود، لا لحبَطِ (٢) العمل.

والحجة على هذا الوجه فيها نظر، فإن المشهور عن أكثر أصحابنا أن الردّة لا تُحبط العمل إلا بالموت عليها. وبنوا على ذلك صحة الحج في الإسلام الأول، وقضاء الفوائت فيه من الصلاة والزكاة والصوم. وأيضًا فإنّ الإحباط إنما ينصرف إلى الثواب دون حقيقة العمل، بدليل صحة صلاةِ مَن صلَّى خلفه في الإسلام الأول.


(١) «له» ساقط من المطبوع.
(٢) في الأصل والمطبوع: «يحبط»، تصحيف.