للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ممسوسًا بنار، حتى ينقض (١) الوضوءَ نِيُّه ومطبوخُه، لكن كان النقض بمطبوخه لعلَّتين زالت إحداهما وبقيت الأخرى، كما لو مسَّ الرجلُ فرجَ امرأته لشهوةٍ انتقض وضوؤه لسببين، فلو زالت الشهوة بقي مجرَّدُ مسِّ الفرج.

وثالثها: أنه لم يجئ حديث بنسخه، فإن قول جابر: كان آخرَ الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تركُ [١٠٨/أ] الوضوء مما مسَّت النار، إنما هو قضية عين وحكاية فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وذلك أنه توضأ من لحم مسَّته النار، ثم أكل من لحم ولم يتوضأ، وذاك كان لحم غنم كما جاء مفسَّرًا في روايات أخر، فأخبر جابر - رضي الله عنه - أنَّ ترك الوضوء منه كان آخر الأمرين. وليس في هذا عموم، ولم يحك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظًا عامًّا، وإنما يفيد هذا أنَّ مسيس النار لا أثر له. ولا يصح أن يقال: لا فرق بينهما، بعد تصريح السنّة بالفرق. ومن جمع بين ما فرَّق الله بينه ورسولُه كان بمنزلة من قال: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، وهذا قياس فاسد الوضع لمخالفة النص.

ورابعها: أنه لو فرضنا أنه جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - صيغة (٢) عامّة بترك الوضوء مما غيَّرت النار ــ مع أنَّ هذا لم يقع ــ لكان عامًّا، والعامُّ لا ينسخ الخاصَّ لا سيّما الذي فُرِّق بينه وبين غيره من أفراد العامّ، بل يكون الخاصُّ مفسِّرًا للعام ومبيِّنًا له.

وخامسها: أنه لو اندرج في العموم قصدًا لم يُفد العمومُ إلا أنه لا يتوضأ منه من حيث مسَّته النار، ولا ينفي التوضؤ (٣) من جهة أخرى؛ كما لو نُسِخ التوضؤ


(١) في المطبوع: «بنار يقتضي»، أسقط «حتى» مع تحريف «ينقض».
(٢) في المطبوع: «صفة». والصواب ما أثبت من الأصل.
(٣) في المطبوع: «ولا يبقى المتوضئ»، والصواب ما أثبتنا، والفعل مهمل في الأصل.