للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولأنه وضوء عن سبب ماض يُشرع له الغسلُ، فكان واجبًا، كوضوء المغمى عليه والمجنون والمستحاضة. وهذا لأن شرعَ الغسل دليل على قوة المقتضي للطهارة، فإذا نزل [١١٤/ب] إلى استحباب الغسل، فلا أقلَّ من أن يوجب الوضوء؛ بخلاف الأسباب المستقبلة، كغسل الإحرام والجمعة والعيدين، فإنَّ المراد بها النظافة فقط. وهذا القياس من أقوى الأشياء (١) لمن تدبَّره.

ولأنّ بدنَ الميِّت صار في حكم العورة (٢) بنفسه، بدليل كراهة مسِّه والنظر إليه إلَّا لحاجةٍ (٣)، وهو مظنةٌ لخروج النجاسات، فجاز أن يُوجب الوضوء كمسِّ الذكر، ولا ينتقض بمسِّه من غير غسل، لأن التعليل للنوع والجواز، فلا ينتقض بأمهات المسائل (٤).

ولأنَّ لمسَ الناقض يفرَّق فيه بين ممسوس وممسوس، فمسُّ الفرج ينقض مطلقًا، ومسُّ النساء إذا كان على وجه الشهوة، ومسُّ الميت إذا كان على وجه التغسيل له، سواء مسَّه من وراء حائل أو باشَره. وهذا أجود من تعليل من علَّله من أصحابنا بأن الغاسل لا يسلم غالبًا من مسِّ ذكره.

وأما حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، إن صحَّ، فمعناه ــ والله أعلم ــ: حسبُكم في إزالة ما يتوهَّم من نجاسته أن تغسلوا أيديكم، فإنه ليس بنجس، وإنما


(١) غيَّره في المطبوع إلى «الأشباه».
(٢) في الأصل والمطبوع: «الغرور»، ولعل الصواب ما أثبت.
(٣) في الأصل والمطبوع: «لا لحاجة».
(٤) كذا في الأصل والمطبوع.