للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفرج بن الجوزي (١)؛ لأنَّ الإمامة تولَّاها - صلى الله عليه وسلم - هو بنفسه، وكذلك [ص ١٤] خلفاؤه الراشدون، ووكَلوا الأذانَ (٢) إلى غيرهم. وكذلك ما زال يتولَّاها أفاضل المسلمين علمًا وعملًا. ولأنَّ الإمامة يعتبر لها من صفات الكمال أكثرُ مما يعتبر للأذان، ولأن الإمامة واجبة في كلِّ جماعة، والأذان إنما يجب مرَّةً في المصر. وقد روي عن داود بن أبي هند قال: حُدِّثتُ أنَّ رجلًا أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: مُرْني بعملٍ أعمله. قال: «كن إمامَ قومك» قال: فإن لم أقدر. قال: «فكن مؤذِّنَهم» رواه سعيد (٣).

والأول أصحُّ، لما تقدَّم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن. اللهم أرشِدِ الأئمةَ، واغفِرْ للمؤذِّنين» (٤)، ومنزلةُ الأمانة فوق منزلة الضمان، والمدعوُّ له بالمغفرة أفضل من المدعوِّ له بالرشد، لأنَّ المغفرة نهاية الخير. ولهذا أمر اللهُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بالاستغفار بقوله: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: ١]، وقد غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، وكان ذلك


(١) انظر: «الإنصاف» (٣/ ٤٣).
(٢) في الأصل: «الأمر»، تحريف. وصوابه من حاشية الأصل.
(٣) وأخرجه ابن أبي شيبة (٣٨٣٠).
إسناده معضل، وفي الباب من حديث أنس عند أبي نعيم في «تاريخ أصبهان» (٢/ ٨٧)، وفي إسناده نافع بن هرمز متروك، كما في «الميزان» (٤/ ٢٤٣).
(٤) أخرجه أحمد (٧١٦٩، ٩٤٢٨)، وأبو داود (٥١٧)، والترمذي (٢٠٧)، وابن خزيمة (١٥٢٨ - ١٥٣١)، وابن حبان (١٦٧٢) من حديث أبي هريرة. والحديث في إسناده اضطراب، ولهذا اختلف في تصحيحه وتضعيفه، فضعَّفه أحمد وابن المديني، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني. انظر: «العلل الكبير» للترمذي (ص ٦٥)، و «العلل» للدارقطني (١٩٦٨)، و «البدر المنير» (٣/ ٣٩٤)، و «صحيح أبي داود ــ الأم» (٣/ ٣).